أهمية الوطن وواجبنا تجاهه

الوطن مفهوم يتجاوز حدود الأرض

كلمة الوطن، رغم قلة حروفها، تحمل في طياتها معانٍ عميقة وجليلة. فالوطن ليس مجرد رقعة جغرافية ينشأ عليها الأفراد أو يتركونها عند رحيلهم، بل هو رمز تتجسد فيه القيم والمبادئ. لذا، تغنى الشعراء باسم الوطن، وتحدث الفلاسفة عن قيمه، وعبّر المغنون عن جماله، فيا لها من أرض طاهرة وما أروع سمائها!

واجبات المواطن تجاه وطنه

إذا كان الوطن يحتل هذه المكانة المميزة في حياة الفرد وفي نفسه، فإن هذا يستوجب عليه واجبات عظيمة. أولى هذه الواجبات هي الدفاع عنه في حال تعرض لعدوان. فالدفاع عن الوطن لا يتوقف عند كونه مجرد حماية للأرض التي نعيش عليها ونتغذى من مواردها؛ بل يمتد ليشمل الدفاع عن الهوية الثقافية، والانتماء للجماعة، والفخر بالعادات والتقاليد. يقول رفاعة الطهطاوي:

يا صاحِ حبُّ الوطنْ

حليةُ كل فَطِنْ

محبةُ الأوطانِ

من شُعب الإيمانِ

في أفخر الأديان

آية كل مؤمن

يا صاح حبُّ الوطن

حلية كل فطن

مساقطُ الرُءوسِ

تَلَذُّ للنفوسِ

تُذهبُ كل بُوسِ

عنّا وكلَّ حرنَ

ومن الواجب على الفرد أن يساهم بما يملك من جهد ووقت لرفع مكانة وطنه وتقدمه في جميع المجالات. لذا، يتعين عليه خدمة مجتمعه المحلي، احترام القوانين، ودعوة الآخرين لتطبيقها، فضلاً عن التزامه بدفع الضرائب والمساهمات النقدية، والتي تعود بالنفع على الوطن.

بهذا الشكل، يصبح جديرًا بالفخر بانتمائه لوطنه. فالمفاخرة بالانتماء تتناسب طردياً مع مقدار العطاء الذي يقدمه الفرد لوطنه. الوطن هو بمثابة الانتماء للأرض، والذي يتطلب الانتماء للجماعة التي تعيش عليها، وهي مجموعة من الدوائر الاجتماعية بمختلف أحجامها، بدءاً من الدائرة الأسرية الضيقة إلى الدائرة الأوسع الممتدة لتشمل الأمة ككل.

الانتماء إلى الوطن لا يُقاس فقط بالأبعاد المكانية، بل يمتد ليشمل الثقافة السائدة في هذه الأرض، بما تتضمنه من لغة وعادات ومعتقدات. وهذه هي السمات التي تميز أمتنا عن باقي الأمم.

لذا، قال الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- عن مكة: (واللهِ إنَّكِ لخيرُ أرضِ اللهِ وأحبُّ أرضِ اللهِ إلى اللهِ، ولولا أنّي خرجتُ منكِ ما خرجتُ). من خلال السير النبوية، نتفهم مفهوم حب الوطن والانتماء للأرض، كما أبدع أمير الشعراء أحمد شوقي عندما عبّر عن ذلك من خلال الطير:

يا ريحُ أَنتَ اِبنُ السَبي

لِ ما عَرَفتَ ما السَكَن

هَب جَنَّةَ الخُلدِ اليَمَن

لا شَيءَ يَعدِلُ الوَطَن

استمرارية حب الوطن

في الختام، يبقى حب الوطن شعورًا دائمًا بلا حدود. إنه عاطفة فطرية تُولد مع الإنسان وتكبر معه، فهو بمثابة الحضن الثاني بعد حضن الأم. إنه بحق المدرسة العظيمة، وباختصار، هو القلب النابض والحب الذي لا يشوبه أي نقص.

Scroll to Top