التحليل الموضوعي لقصيدة الغزل العفيف لأحمد شوقي
في قصيدته الشهيرة، يعبر أحمد شوقي عن مشاعر الحب والشوق بأسلوب عميق وجميل، حيث يقول:
الله في الخلق من صب ومن عانى
تفنى القلوب ويبقى قلبك الجاني
صوني جمالك عنا إننا بشر
من التراب وهذا الحسن روحاني
أو فابتغي فلكا تأوينه ملَكا
لم يتخذ شركا في العالم الفاني
السرّ يحرسه والذكر يؤنسه
والشهب حوليه بالمرصاد للجان
ينساب للنور مشغوفا بصورته
منعّما في بديعات الحلى هانى
إذا تبسم أبدى الكون زينته
وإن تنسم أهدى أى ريحان
وأشرفي من سماء العز مشرقة
بمنظر ضاحك اللآلاء فتان
عسى تكف دموع فيك هامية
لا تطلع الشمس والنداء في آن
يا من هجرت إلى الأوطان رؤيتها
فرحت أشوق مشتاق لأوطان
أتعهدين حنيني في الزمان لها
وسكبي الدمع من تذكارها قانى
وغبطيَ الطير آتيه أصيح به
ليت الكريم الذي أعطاك أعطاني
ويظهر الشاعر في هذه الأبيات مدى تعلّقه بالمحبوبة وعشقه لجمالها الذي قد يجعل الشمس تخجل منها، ويفصح عن شوقه الغامر لوطنه الذي يتمنى زيارته، وقد أثر فيه هذا الشوق لدرجة الافتتان.
مُرى عصىّ الكرى يغشى مجاملة
وسامحي في عناق الطيف أجفاني
كفى خدودي من عينيّ ما شربت
فمثل ما قد جرى لم تأت عينان
لئن ضننت فما لي لا أضنّ به
على الفناء سوى آثار وجدان
ومنطق يرث التاريخ جوهره
عن الزمان وعن عباسه الثاني
يا ابن النوال وما في الملك من كرم
ومن عفاف ومن حلم وإيمان
هذى المفاخر لم تولد ولا ولدت
ولا رأى الناس شأنا كفء ذا الشان
هام الأنام وسادات الأنام بها
وحرّك العصر أعطافا كنشوان
ربَّ الصعيد ورب الريف ثب بهما
للفرقدين وطاول شأو كيوان
سارت بمسعاتك الأخبار وانتقلت
بها الركاب وشاق القاصى الدانى
وفي هذه الأبيات يتطرق الشاعر لوصف الوطن الذي يعشقه، ويشيد بالمحبوبة التي تعيش فيه. كما يمتدح ملك مصر ويصف ما سمعه من مفاخره وسيرته، والتي انتشرت بين الناس القاصي والداني.
تريد مصر بما تبدى حوادثها
ليعرف الناس حلمي هل له ثاني
فيا حوادث مهلا في نصيحتنا
فما تركت لنا لبا بعرفان
وإن حلمي لتستكفي البلاد به
كالعين تمت معانيها بإنسان
لما بدا الشهر واستقبلت غرّته
لاح الهلال ولاح البدر في آن
وقمت تسطع بالأنوار في أفق
بالمسلمين وبالإسلام مزدان
كأنك البدر في غايات رفعته
لو كان للبدر كرسي وتاجان
فاهنأ مكانك واهنأ ما يلوح به
لرب يلدز من آثار إحسان
إذا الخلافة في أمصارها نهضت
رأت بمصركم روحا لأبدان
وهنا يتحدث الشاعر عن العدالة التي تسود مصر بفضل الحاكم، معبراً عن أمله في أن تكون الخلافة داعمة لمصر، حيث يشيد بخصال الحاكم وصبره وحلمه.
وإنها الدهرَ للإسلام مملكة
تزهو ممالكها منها بعنوان
أهدى الخليفة ما أهدى يبشرنا
أن الوداد بآساس وأركان
وإن ما تشتكي الأوطان من أود
إلى صلاح بنعماه وعمران
قصرا على اللج لولا أن مهديه
عبد الحميد لقلنا قصر نعمان
وفي هذا المقطع، يؤكد الشاعر على عزة مصر ومكانتها في فترة عبد الحميد، معبراً عن أمنيته أن يبقى وطنه في حالة جيدة، مشيدًا أيضًا بجهود عبد الحميد.
التحليل الفني لقصيدة الغزل العفيف لأحمد شوقي
تتطلب القصيدة الشعرية العربية مجموعة من الصور الفنية التي تعكس قدرة الشاعر على الخيال وتجسيد المعاني. من بين الصور التي تم تجسيدها في القصيدة:
- تفنى القلوب ويبقى قلبك الجاني
استعان الشاعر بالتشبيه بين القلب والإنسان الذي يموت، حيث استخدم الاستعارة المكنية لتدعيم معاني الحزن والفناء.
- أبدى الكون زينته
قام الشاعر بتشبيه الكون بالإنسان الذي يكشف عن جماله، مستخدمًا الاستعارة المكنية لدفع المعاني نحو الدهشة والجمال.
- عسى تكف دموع فيك هامية
شبّه الدموع بالإنسان الذي ينفصل عن شيء ما أو يكف عن فعله، مستخدمًا الاستعارة المكنية لتصوير المشاعر القوية.
التحليل الإيقاعي لقصيدة الغزل العفيف لأحمد شوقي
وظف أحمد شوقي البحر البسيط في قصيدته بطريفة تتناغم مع الأبعاد الشعرية، حيث تتمثل تفعيلته في: “مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن”. يعتبر هذا البحر من البحور المحبوبة لدى الشعراء في القصائد الغزلية لكونه يمنحهم حرية التعبير.
كما طغت الأحرف الانفجارية في القصيدة، وخاصة في البيت الأول، مثل: “الخلق، القلوب، الجاني”، مما يدل على المشاعر القوية التي يعيشها الشاعر ويتمنى إظهارها من خلال كلماته.