المدح وأهميته في التاريخ الإسلامي

المدح في العصر الإسلامي

تغيّر مفهوم المدح في فترة صدر الإسلام بشكل ملحوظ عن ذلك الذي كان شائعاً في الجاهلية. فقد تحرر المادح من أهداف المثل المال أو النفوذ، وأصبح يركز على رفع راية الإسلام والإشادة بنبي الله، محمد صلى الله عليه وسلم. وقد استخدم الشعراء أشعارهم كوسيلة لنشر رسالة الإسلام، مما جعلها أداة فعالة لدعوة الناس للإيمان. من الملاحظ أن المدائح النبوية تميزت عن تلك التي كانت في الجاهلية، إذ كانت تركز على الهداية ونور الحق بدلاً من المديح الشخصي كالكَرَم والشجاعة. وفيما يلي بعض الأمثلة البارزة:

قصيدة البردة لكعب بن زهير

مدح كعب بن زهير النبي صلى الله عليه وسلم في قصيدة مشهورة تعرف باسم “البردة”، حيث يقول:

مِن ضَيغَمٍ مِن ضِراءَ الأُسدِ مُخدِرَةً

بِبَطنِ عَثَّرَ غيلٌ دونَهُ غيلُ

يَغدو فَيَلحَمُ ضِرغامَين عَيشُهُما

لَحمٌ مِنَ القَومِ مَعفورٌ خَراذيلُ

إذا يُساوِرُ قِرناً لا يَحِلُّ لَهُ

أَن يَترُكَ القِرنَ إِلّا وَهُوَ مَفلولُ

مِنهُ تَظَلُّ حَميرُ الوَحشِ ضامِرَةً

وَلا تُمَشّي بِواديهِ الأَراجيلُ

وَلا يَزالُ بِواديِهِ أخَو ثِقَةٍ

مُطَرَّحُ البَزِّ وَالدَرسانِ مَأكولُ

إِنَّ الرَسولَ لَسَيفٌ يُستَضاءُ بِهِ

مُهَنَّدٌ مِن سُيوفِ اللَهِ مَسلولُ

في عُصبَةٍ مِن قُرَيشٍ قالَ قائِلُهُم

بِبَطنِ مَكَّةَ لَمّا أَسَلَموا زولوا

زَالوا فَمازالَ أَنكاسٌ وَلا كُشُفٌ

عِندَ اللِقاءِ وَلا ميلٌ مَعازيلُ

شُمُّ العَرانينِ أَبطالٌ لَبوسُهُمُ

مِن نَسجِ داوُدَ في الهَيجا سَرابيلُ

بيضٌ سَوابِغُ قَد شُكَّت لَها حَلَقٌ

كَأَنَّها حَلَقُ القَفعاءِ مَجدولُ

يَمشون مَشيَ الجِمالِ الزُهرِ يَعصِمُهُم

ضَربٌ إِذا عَرَّدَ السودُ التَنابيلُ

لا يَفرَحونَ إِذا نالَت رِماحُهُمُ

قَوماً وَلَيسوا مَجازيعاً إِذا نيلوا

لا يَقَعُ الطَعنُ إِلّا في نُحورِهِمُ

ما إِن لَهُم عَن حِياضِ المَوتِ تَهليلُ

قصيدة حسان الهمزية

جاء حسان بن ثابت ليهجو مشركي مكة ويدافع عن النبي محمد عليه الصلاة والسلام، حيث قال:

عَدِمنا خَيلَنا إِن لَم تَرَوها

تُثيرُ النَقعَ مَوعِدُها كَداءُ

يُبارينَ الأَسِنَّةِ مُصغِياتٍ

عَلى أَكتافِها الأَسَلُ الظِماءُ

تَظَلُّ جِيادُنا مُتَمَطِّراتٍ

تُلَطِّمُهُنَّ بِالخُمُرِ النِساءُ

فَإِمّا تُعرِضوا عَنّا اِعتَمَرنا

وَكانَ الفَتحُ وَاِنكَشَفَ الغِطاءُ

وَإِلّا فَاِصبِروا لِجَلادِ يَومٍ

يُعينُ اللَهُ فيهِ مَن يَشاءُ

وَقالَ اللَهُ قَد يَسَّرتُ جُنداً

هُمُ الأَنصارُ عُرضَتُها اللِقاءُ

لَنا في كُلِّ يَومٍ مِن مَعَدٍّ

قِتالٌ أَو سِبابٌ أَو هِجاءُ فأَحكِمُ بِالقَوافي مَن هَجانا

وَنَضرِبُ حينَ تَختَلِطُ الدِماءُ

وَقالَ اللَهُ قَد أَرسَلتُ عَبداً

يَقولُ الحَقَّ إِن نَفَعَ البَلاءُ

شَهِدتُ بِهِ وَقَومي صَدَّقوهُ

فَقُلتُم ما نُجيبُ وَما نَشاءُ

وَجِبريلٌ أَمينُ اللَهِ فينا

وَروحُ القُدسِ لَيسَ لَهُ كِفاءُ

أَلا أَبلِغ أَبا سُفيانَ عَنّي

فَأَنتَ مُجَوَّفٌ نَخِبٌ هَواءُ

هَجَوتَ مُحَمَّداً فَأَجَبتُ عَنهُ

وَعِندَ اللَهِ في ذاكَ الجَزاءُ

أَتَهجوهُ وَلَستَ لَهُ بِكُفءٍ

فَشَرُّكُما لِخَيرِكُما الفِداءُ

هَجَوتَ مُبارَكاً بَرّاً حَنيفاً

أَمينَ اللَهِ شيمَتُهُ الوَفاءُ

فَمَن يَهجو رَسولَ اللَهِ مِنكُم

وَيَمدَحُهُ وَيَنصُرُهُ سَواءُ

فَإِنَّ أَبي وَوالِدَهُ وَعِرضي

لِعِرضِ مُحَمَّدٍ مِنكُم وِقاءُ

قصيدة ثوى بمكة

واصل حسان بن ثابت مدح النبي عليه الصلاة والسلام قائلًا:

ثَوى بِمَكَّةَ بِضعَ عَشرَةَ حِجَّةً

يُذَكِّرُ لَو يَلقى خَليلاً مُؤاتِيا

وَيَعرِضُ في أَهلِ المَواسِمِ نَفسَهُ

فَلَم يَرَ مَن يُؤوِي وَلَم يَرَ داعِيا

فَلَمّا أَتانا وَاِطمَأَنَّت بِهِ النَوى

فَأَصبَحَ مَسروراً بِطَيبَةَ راضِيا

وَأَصبَحَ لا يَخشى عَداوَةَ ظالِمٍ

قَريبٍ وَلا يَخشى مِنَ الناسِ باغِيا

بَذَلنا لَهُ الأَموالَ مِن جُلِّ مالِنا

وَأَنفُسَنا عِندَ الوَغى وَالتَآسِيا

نُحارِبُ مَن عادى مِنَ الناسِ كُلَّهِم

جَمعاً وَإِن كانَ الحَبيبُ المُصافِيا

وَنَعلَمُ أَنَّ اللَهَ لا رَبَّ غَيرُهُ

وَأَنَّ كِتابَ اللَهِ أَصبَحَ هادِيا

قصيدة قضينا من تهامة

وقال كعب بن مالك الأنصاري مادحًا المسلمين ونبياهم عليه الصلاة والسلام:

قَضَيْنَا مِنْ تِهَامَةَ كُلَّ رَيْبٍ

وخيبَر ثمَّ أَجْمَمْنَا السّيُوفا

نُخَيّرُهَا وَلَوْ نَطَقَتْ لَقَالَتْ

قواطِعُهُنَّ دوساً أو ثَقيفَا

فَلَسْتُ لِحَاضنٍ أنْ لَمْ تَرُوهَا

Bسَاحَةِ دارِكُمْ منّا أُلُوفَا

وَنَنْتَزِعُ العُروشَ بِبَطْنِ وجٍّ

وتصبحُ دُورُكم منكمُ خَلُوفَا

ويَأتِيكُمْ لَنَا سَرعَانُ خَيْلٍ

يُغَادِرُ خَلْفَهُ جمعاً كَثيفَا

إذا نزلُوا بسَاحَتِكُم سَمِعْتُمْ

لَهَا مِمّا أناخَ بها رَجِيفَا

بأيدِيهمْ قَوَاضِبُ مُرهَفَاتٌ

يُزِرْنَ المُصْطَلينَ بِهَا الحُتوفَا

كأمْثالِ العَقَائقِ أَخْلَصَتْهَا

قُيُونُ الهندِ لم تُضْرَبْ كَتِيفَا

تخالُ جَديَّةَ الأَبْطَالِ فيها

غَدَاةَ الزّحْفِ جَادِيّاً مَدوفَا

أَجِدَّهُمُ أَليسَ لَهُمْ نَصِيحٌ

منَ الأَقْوامِ كانَ بِنَا عَرِيفَا

يخبّرهُمْ بِأَنّا قَدْ جَمَعْنَا

عِتَاقَ الخَيْلِ والنُّجُبَ الطُّروفَا

وأنّا قَدْ أَتَيْنَاهُمْ بِزَحْفٍ

يُحِيطُ بِسُورِ حُصْنِهُمُ صُفُوفَا

رئيسُهُم النبيُّ وكانَ صُلْباً

نقيَّ القَلْبِ مُصْطَبِراً عَزُوفَا

رَشِيدُ الأَمْرِ ذُو حُكْمٍ وَعِلْمٍ

وَحِلْمٍ لَمْ يكنْ نَزقاً خَفِيفَا

نُطِيعُ نَبيَّنَا وَنُطِيعُ ربّاً

هُوَ الرّحمن كانَ بِنَا رَؤُوفَا

فإن تُلقُوا إلينا السِّلْمَ نَقْبَلْ

وَنَجْعَلْكُمْ لَنَا عَضُداً وَرِيفَا

وإنْ تَأْبَوا نُجَاهِدْكُمْ ونَصْبُرْ

وَلاَ يكُ أمرُنَا رَعِشاً ضَعِيفَا

نُجَالِدُ مَا بَقِينَا أَو تُنِيبُوا

إلى الإسْلاَمِ إذْعَاناً مُضيفَا

Nُجَاهِدُ لا نُبَالي مَنْ لَقِينَا

أَأَهْلَكْنَا التِّلادَ أمِ الطَّريفَا

قصيدة إنّي تفرست فيك الخير

يقول عبد الله بن رواحة مادحًا النبي عليه الصلاة والسلام:

إِنّي تَفَرَّستُ فيكَ الخَيرَ أَعرِفُهُ

وَاللَهُ يَعلَمُ أَن ما خانَني البَصَرُ

أَنتَ النَبِيُّ وَمَن يُحرَم شَفاعَتَهُ

يَومَ الحِسابِ فَقَد أَزرى بِهِ القَدَرُ

فَثَبَّتَ اللَهُ ما آتاكَ مِن حَسَنٍ

تَثبيتَ موسى وَنصراً كَالَّذي نُصِروا

يا آلَ هاشِمَ إِنَّ اللَهَ فَضَّلَكُم

عَلى البَرِيَّةِ فَضلاً ما لَهُ غِيَرُ

وَلَو سَأَلتَ أَوِ اِستَنصَرتَ بَعَضَهُمُ

في جُلِّ أَمرِكَ ما آوَوا وَلا نَصَروا

فَخَبِّروني أَثمانَ العَباءِ مَتى

كُنتُم بَطاريقَ أَو دانَت لَكُم مُضَرُ

Nُجالِدُ الناسَ عَن عُرضٍ فَنَأسِرُهُم

فينا النَبِيُّ وَفينا تَنزِلُ السُوَرُ

وَقَد عَلِمتُم بِأَنّا لَيسَ يَغلِبُنا

حَيٌّ مِنَ الناسِ إِن عَزّوا وَإِن كَثُروا

Scroll to Top