ما هو ذكر الله؟
يشير مفهوم الذكر إلى التعبير عن الثناء على الله وتنزيهه وتمجيده وتقديسه، بالإضافة إلى حمده وتسبيحه وشكره على نعمه. فقد خلق الله كل ما هو موجود في هذه الأرض لخلق عباده الذين يذكرونه ويعبدونه ويشيدون بفضله. كما جاء في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ).
يقول الله -سبحانه وتعالى-: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)، مما يدل على أن الاطمئنان القلبي مرتبط بشكل طردي بذكر الله -تعالى-، حيث إن الذكر يمثل مفتاح الأمان والسكينة، ويعبر عن سرٍ خاص بين العبد وربه. يشعر العبد بمدى قربه من الله، مما يعزز من ارتباطه الروحي ونقاء قلبه، ويُعَد الانشغال بذكر الله أسمى من الانصراف إلى الأحاديث العادية التي قد تتضمن الغيبة أو النميمة.
أنواع الذكر
تتنوع أنواع الذكر، ومن أهمها ما يلي:
- القرآن الكريم هو أفضل أنواع الذكر، حيث إن تلاوته وتأمل معانيه يعد من أعظم ما يمكن أن يذكر به العبد ربه -سبحانه وتعالى-، فقد وصفه الله -تعالى- بأنه (وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ).
- ذكر أسماء الله -سبحانه وتعالى- وصفاته، والثناء عليه بتلك الأسماء، وتقديسه عما لا يليق به -تعالى-، مثل قول: “سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر”.
- الإخبار عن الله بأحكام أسمائه وصفاته، والتي تنقسم إلى ثلاثة أنواع:
- الحمد: وهو التعبير عن كمال صفات الله مع حبه والرضا به.
- الثناء: تكرار الحمد يُعتبر ثناء.
- التمجيد: وهو المدح بصفات العظمة والجلال.
- ذكر أوامره ونواهيه وأحكامه، ولذلك يقال: “إن لم تكن مجالس الحلال والحرام هي مجالس الذكر، فلا أدري ما هي”.
- ذكر نعمه وآلائه على عباده، فقد قال الله في محكم كتابه: (فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
- الدعاء والاستغفار، ففيه قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أَفْضَلُ الذِّكْرِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَفْضَلُ الدُّعَاءِ الحَمْدُ لِلَّهِ).
- ذكر العناية والاهتمام، مثل قول: الله معي، الله حافظي، مما يساعد في حماية القلب وزيادة الالتزام بالأدب مع الله والحذر من الغفلة.
أعلى مراتب الذكر
يعتبر قراءة القرآن الكريم من أفضل أنواع الذكر، إذ إنه يشمل جميع أشكال الذكر من تذكير وتهليل وتحميد وتسبيح وتمجيد، فقد ذكر الله في آياته أن القرآن هو الذكر، بقوله: (وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ).
- أفضل الكلمات هي “لا إله إلا الله”، وقد ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
- التسبيح المطلق، حيث روى أبو ذر الغفاري أنه قال: (أَلَا أُخْبِرُكَ بِأَحَبِّ الْكَلَامِ إِلَى اللهِ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَخْبِرْنِي، فَقَالَ: إِنَّ أَحَبَّ الْكَلَامِ إِلَى الله: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ).
- قول “سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر”، كما ورد عن أبي هريرة في حديثه: (قَالَ رَسُولُ اللهِ: لَأَنْ أَقُولَ سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ).
فضائل ذكر الله
هناك فضائل عديدة لذكر الله -تعالى-، منها ما يلي:
- مَن يذكر الله يذكره الله -تعالى- كما جاء في قوله: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ).
- ذكر الله -تعالى- يحمي الذَّاكِر من النسيان، مما قد يؤدي إلى شقاء العبد في حياته ومعاده، قال الله -تعالى-: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ).
- ذكر الله يزيل المخاوف من القلب، وقد قال -تعالى-: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).
- يجلب الرزق، حيث قال -تعالى-: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا).
- مجالس الذكر تُعتبر رياض الجنة في الدنيا، حيث يباهي الله -تعالى- بالذاكرين من عباده أمام ملائكته، كما جاء في الحديث: (إِنَّ رَسُولَ اللهِ خَرَجَ عَلَى حَلْقَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: «مَا أَجْلَسَكُمْ؟» قَالُوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللهَ وَنَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا لِلْإِسْلَامِ، وَمَنَّ بِهِ عَلَيْنَا، قَالَ: «آللَّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلَّا ذَاكَ؟»).
كيف يصبح العبد من الذاكرين؟
إن القرب من الله يُعَد من أجمل ما يمكن أن يفعله المؤمن في حياته، فهو مفتاح للسعادة في الدنيا والآخرة. ومن أبرز الطُّرُق التي تساعد المؤمن على أن يُصبح من الذاكرين ما يلي:
- الالتزام بأداء الصلوات الخمس بانتظام.
قال الله -تعالى-: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ، وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا).
- المحافظة على الأذكار بعد كل صلاة.
قد وُرد في السنة النبوية العديد من الأذكار، وكُل ذكر له موضعه، ومنها ما يُقال بعد الصلاة، مثل: (اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ ذَا الْجَلَالِ وَالإكْرَامِ).
- الكثرة في قراءة القرآن الكريم.
فلم يُذكر عبادة أفضل من قراءة كتاب الله، حيث قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا).
- الالتزام بالأذكار المتنوعة في الحياة اليومية.
مثل قول دعاء الخروج عند مغادرة المنزل، ودعاء الركوب عند دخول السيارة، وهكذا.
- الالتزام بالأذكار التي وردت في النصوص الشرعية.
ومن ذلك ما ورد عن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَانِ: سُبْحَانَ اللهِ الْعَظِيمِ، سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ).
أحوال الذاكرين
يوجد الذاكرون لله في جميع أحوالهم، هناك من يذكر الله كثيرًا، ومن يذكره قليلاً، وهناك من يغفل عن ذكر الله. ومن أفضل حالتين للذاكرين:
- ذكرهم الله في قوله -تعالى-: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)، وذلك حال الذين يذكرون الله في كل من الصلاة وخارجها.
- كما قيل في قوله -تعالى-: (فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ)، وهنا يتحدث عن الذين يذكرون الله في كل أحوالهم بلا استثناء.