عظمة قدرة الخالق
عند التأمل في آيات الله -سبحانه وتعالى- في الكون وبديع خلقه، يتبين بلا شك أن الله -عز وجل- هو الخالق وما سواه مخلوق. فهو الذي لا يعجزه شيء في السموات والأرض، وهو العظيم المتعال. ويقود هذا التأمل المؤمنين إلى مزيد من التعلق بالله -تعالى- والاعتراف بعظمته. كما قال -عز وجل- على لسان المؤمنين: (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ). أينما وجه الإنسان بصره، يجد كل شيء يبرز عظمة المولى -عز وجل-. وقد حثّ الإسلام في العديد من النصوص على التفكير في خلق السموات والأرض، وقدم الكثير من الأدلة على عظمة الخالق -سبحانه- كوسيلة لطمأنة أصحاب الشك وتثبيت المؤمنين. كما ساعد التقدم العلمي الحديث في توضيح العديد من الحقائق التي تدل على وجود الخالق ووحدانيته -سبحانه-؛ لذا يستعرض هذا المقال بعض مظاهر قدرة الله -تعالى- في خلق الكون.
مظاهر قدرة الله في الكون
الكون هو مستودع للأسرار، ومحطة لتدبير الأفكار، ومصدراً للعبرة من آيات الله الواحد القهار. ومن أبرز مظاهر هذه العظمة:
قدرة الله في البناء الكوني
تتجلى عجائب قدرة الله -عز وجل- في البناء الكوني بشكل كبير، ومن هذه العجائب:
- يحتوي الكون على مئات المليارات من المجرّات، حيث تضم المجرّة الواحدة أكثر من مئة ألف مليون نجم.
- يتعجب الإنسان عند معرفة أن بعض المجردات تبعد عن الأرض بأكثر من مليار سنة ضوئية.
- الأكثر إدراكاً لعظمة قدرة الله -عز وجل- هو أن الكون المرئي لا يمثل سوى خمسة بالمئة من البناء الكوني، بينما تشكل المادة المظلمة الجزء الأكبر منه.
- تظهر المجرّات بألوانها الحقيقية من خلال الصور الفلكية الحديثة، كما قال الحق -عز وجل-: (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ).
قدرة الله في الرّياح
تعتبر الرياح إحدى أعظم الأدلة على قدرة الله -سبحانه وتعالى-، حيث قال: (وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ). وقد أخفى الله رؤيتها عن البشر، فهم يشعرون بتأثيرها دون أن يرونها. وتأتي الرياح برحمة أو عذاب، ففي موضع الرحمة، قال -عز وجل-: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ). وفي موضع العقاب، قال: (وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ العَقِيمَ، مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالْرَّمِيمِ). وتُعتبر الرياح جنوداً من جنود الله متى أرادها، حيث تحمل نفعاً عظيماً، مثل إثارة السحب وتلقيح الغيوم، مما يؤدي إلى إنزال الماء ونمو الزرع، وتساهم في تلقيح الأزهار والأشجار، فقال -عز وجل-: (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ). كما تلعب الرياح دوراً حيوياً في دورة المياه حول الأرض.
مظاهر قدرة الله في خلق الإنسان
تتجاوز قدرة الله -تعالى- في خلق الإنسان الحدود، وقدم العلم الحديث دليلاً واضحاً على ذلك:
قدرة الله في الخلايا الدماغية
تعتبر الخلايا بأنواعها مختلف مظاهر قدرة الله -سبحانه- في خلق الإنسان، حيث أبدع الخالق -عز وجل- في تصميم الخلايا التي لا تُرى بالعين المجردة، وكل خلية تؤدي وظيفة محددة بدقة متناهية. ومن أبرز هذه الخلايا، الخلايا الدماغية، حيث يصل عددها إلى أكثر من مئة وأربعين مليار خلية، وهي في تفاعل دائم، وتستطيع الخلية الدماغية الواحدة حفظ المعلومات قصيرة الأجل، مما يسمح للإنسان بأداء وظائفه اليومية.
قدرة الله في الجهاز العصبي
تحتوي جسم الإنسان على أكثر من أربعة مليون خلية تستشعر الألم، تُعرف بالعصبونات، وتعمل معاً عن طريق الجهاز العصبي الذي ينظم الإشارات القادمة من الأعضاء الحسية وينقلها إلى الدماغ. تقوم الخلايا العصبية بتنظيم العديد من الوظائف الحيوية، مثل حركة القلب ونقل الغذاء وعمليات التنفس والهضم، مما يساعد الإنسان على التأقلم مع الظروف المحيطة به، فسبحان من أحسن خلقه.
قلب الإنسان وعظمة الخالق
عند التدقيق في قلب الإنسان، يلاحظ أن هذه العضلة الصغيرة تقوم بدور معقد لا تتمكن الآلات الحديثة من أدائه. يقوم القلب بشكل مستمر بضخ الدم إلى جميع أجزاء الجسم بدقة متناهية. عدد خلايا جسم الإنسان يقارب مئة ترليون خلية، حيث تصل نبضات القلب إلى مائة ألف نبضة يومياً، مما ينتج ضخاً هائلاً للدم يصل إلى ثلاث وأربعين ألف لتر يومياً. يعمل كل ذلك وفق نظام دقيق خالٍ من الأخطاء، والعجيب أن القلب يقوم بدورتين دمويتين -صغرى وكبرى- في آن واحد دون التأثير على إحداهما بالأخرى.