تحقق من صحة الأحاديث النبوية

طرق التحقق من صحة الحديث

الاستناد إلى المصادر المعتمدة في الحديث الصحيح

يمكن للباحث التأكد من صحة الحديث من خلال الرجوع إلى الكتب المتخصصة في الأحاديث الصحيحة. هذه الكتب تحوي أحاديث موثوقة وليست محصورة في صحيحي البخاري ومسلم فقط؛ فهذين الكتابين لا يحتويان على جميع الأحاديث الصحيحة، وحصرا ما يتوافق مع معاييرهما الخاصة، بحيث يتم استبعاد الأحاديث التي لا تتوافق مع شروطهما حتى وإن وُصفت بالصحة. وفي هذا السياق، يقول الإمام البخاري عن صحيحه: “ما وضعت في كتابي الجامع إلا ما صح، وتركت من الصحيح مخافة الإطالة.” كما أشار الإمام مسلم إلى أن: “ليس كل ما عندي من الصحيح قد وضعته هنا، بل وضعت ما أُجمع عليه.” ومن بين الكتب المتخصصة في هذا المجال نجد:

  • الكتب المعروفة بالصحة، مثل صحيح البخاري وصحيح مسلم وصحيح أحمد بن سلمة البزار وصحيح ابن خزيمة وصحيح أبي عوانة الإسفراييني وصحيح أبي بكر الإسماعيلي.
  • كتاب الموطأ للإمام مالك بن أنس، الذي ألفه بناءً على طلب الخليفة أبي جعفر المنصور. حرص الإمام مالك في تأليفه على الاستناد إلى الأحاديث الصحيحة، وقد أشار البعض إلى أن الموطأ هو أول كتاب في الحديث الصحيح، بينما يُنظر إلى الإمام البخاري كأحد الرواد في هذا المجال.
  • الجامع الصحيح للإمام البخاري، الذي أطلق عليه اسم “الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسننه وأيّامه”، وقد تميز بفهمه العميق للأحاديث واستخراج الفوائد منها. وهو معروف بتضمنه عناوين مميزة للأبواب مستنبطة من الآيات والأحاديث وأقوال الصحابة والتابعين.
  • صحيح مسلم، الذي ألفه الإمام مسلم بن الحجاج، تلميذ الإمام البخاري. يبرز هذا الكتاب الفوائد الإسنادية من خلال جمع الأحاديث في أكثر الأماكن ملاءمة وفق أسانيدها، ويحتوي فقط على الأحاديث الصحيحة.
  • صحيح ابن خزيمة للإمام محمد بن إسحاق بن خزيمة. عُرف بتحريه للصحة وبنائه حكمه على الأحاديث بأسلوب مختصر.
  • صحيح ابن حبان للإمام أبي حاتم محمد بن حبان البستي، والذي يُعرف بـ”التقسيمات والأنواع”. على الرغم من تساهله في تصحيح الأحاديث، لم يجمع المحدثون على صحة كتابه كما حصل مع ابن خزيمة.
  • المختارة أو الرسالة المستطرفة للحافظ محمد بن عبد الواحد المقدسي، الذي التزم فيه بما يجوز الاحتجاج به، وقد أشار ابن كثير إلى وجود بعض الأحاديث الجيدة فيه بالإضافة إلى تنبيهه إلى بعض الأحاديث الضعيفة.
  • كتب السنن الأربعة والتي تُعتبر مصادر مهمة في الحديث الصحيح، وقد نبهت المحدثين على الأحاديث الضعيفة التي قد توجد في بعضها.

تخريج الحديث

يُعرف تخريج الحديث بأنه إعادة الحديث إلى مصادره الأصلية الموثوقة، وفي حال تعذر ذلك، يتم الرجوع إلى المصادر الثانوية، وإذا لم يتوفر أي منهما، يتم الاستعانة بالذين نقلوا الحديث مع ذكر ترتيبهم. عبر هذا الإجراء، يمكن التعرف على مرتبة الحديث ومعرفة مدى قبوله أو رفضه، فضلاً عن معرفة الأماكن التي يُدرج فيها الحديث في المصادر المعترف بها من قبل أهل الحديث. إن مجرد شهرة الحديث أو انتشاره بين الناس لا يكفي للحكم على صحته، بل يجب الاعتماد على الطرق المتبعة من قبل المحدثين.

للتخريج أهمية كبيرة حيث يعد من السبل الأساسية للتعرف على السنة التي تتأسس عليها الأحكام، وحمايتها من الأحاديث غير الصحيحة. يتم الحكم على الحديث عبر جمع طرقه لتمييز الصحيح من غيره. وقد ورد عن أبي حاتم الرازي قوله: “لو لم نكتب الحديث من ستين وجهًا ما عقلناه”، كما ذكر ابن معين أن “الحكم على الحديث لا يتم إلا من خلال جمع طرقه.” إن التخريج وجمع الطرق يساعدان في تمييز الحديث الصحيح عن غيره، إضافة إلى معرفة شواهده ومتابعاته، وكذلك إذا ما كان يحتوي على أي علل أو شذوذ. وبالتالي، فإن الغرض الأساس من علم التخريج هو التقييم الدقيق للحديث من حيث الصحة والضعف.

أهمية التأكد من صحة الحديث

تكمن الأهمية الكبرى للحديث الصحيح في كونه حجة يجب العمل بها، حيث يُعتبر ركيزة أساسية من ركائز استنباط الأحكام الشرعية. وهو المصدر الثاني للتشريع بعد القرآن الكريم. ويثبت ذلك من خلال العديد من الآيات التي تأمر بطاعة النبي -عليه الصلاة والسلام- وأيضًا من خلال السنة وإجماع الأمة والدلائل العقلية. وقد ذهب المحدثون والفقهاء والأصوليون الذين يُعتد برأيهم إلى ضرورة العمل بالحديث الصحيح حتى وإن كان آحادًا (أي لم يروه سوى راوٍ واحد) نظرًا لإجماع الصحابة والتابعين على وجوب العمل به. ولعل أبرز مثال على ذلك أن الأمور الكبرى في الدول تستند غالبًا على مبعوث واحد، سواء كانوا سفراء أو.. غيرهم، وهذا الأمر واضح في الأحكام والعقائد وفقًا لأهل السنة.

Scroll to Top