ابن النفيس
يُعتبر ابن النفيس واحدًا من أبرز العلماء العرب الذين ساهموا بشكل كبير في مجال الطب، بفضل اكتشافه للدورة الدموية الكبرى والصغرى في جسم الإنسان. كما كان رائدًا في تطوير علم وظائف الأعضاء، إلى جانب موسوعيته التي جعلت منه فقيهًا ومؤلفًا في مجالات النحو والتاريخ. لقد ظلت إسهاماته في مجال الطب مرجعًا قيمًا للعلماء حتى الوقت الحاضر.
نشأة ابن النفيس
وُلد ابن النفيس في قرية تقع بالقرب من دمشق في سوريا، حيث درس في البيمارستان النوري وتعلم الفقه وفق مذهب الإمام الشافعي. وقد اطلع على العديد من الأعمال الفكرية في عصره، درس الفلسفة ولغته، واهتم بتفسير القرآن الكريم. وعندما بلغ الثلاثين من عمره، انتقل إلى مدينة القاهرة.
خدم كطبيب في المستشفى الناصري، ثم أصبح رئيسًا للأطباء خلال فترة حكم السلطان قلاوون. كما شغل منصب طبيب خاص للسلطان الظاهر بيبرس. لذا قد اشتهر ابن النفيس في القاهرة بكونه مستقلاً في مجلسه الذي كان يعقد في منزله، حيث كان يحضره الأمراء والنبلاء والعلماء.
إسهامات ابن النفيس العلمية
يُعتبر الشرح الذي أعده ابن النفيس لكتاب “القانون” لابن سينا من أبرز أعماله، حيث تضمن هذا الشرح العديد من الإضافات مهمّة في علم التشريح، وأبرزها اكتشافه للدورة الدموية الصغرى والشريان التاجي وآلية عملهما. بعد الانتهاء من هذا المؤلف، بدأ ابن النفيس في كتابة “الشامل في الصناعة الطبية”، الذي يتكون من ثلاثة مائة مجلد، لم يُنشر منه سوى ثمانين مجلدًا قبل وفاته. بعد نشر باقي الأجزاء، أصبح هذا الكتاب بديلًا لكتاب “القانون” لابن سينا.
على إثر سقوط بغداد بيد المغول، فقدت كثير من مؤلفات ابن النفيس، وظلت بقية أعماله متناثرة في المكتبات الكبرى بالعالم حتى تم جمعها وتحقيقها في عام 2000. تجمع مؤلفات ابن النفيس بين الجرأة والشجاعة في الطرح العلمي، بالإضافة إلى تباينه مع كبار الأطباء في زمانه.
إلى جانب إسهاماته الطبية، ساهم ابن النفيس في العلوم الشرعية من خلال وضع مؤلفات في مجال السيرة والحديث، من أشهرها “الرسالة الكاملية في السيرة المحمدية” و”مختصر في علم أصول الحديث”. ورغم عدم العثور على مؤلفاته في الفقه، إلا أنها تم الإشارة إليها في سياق حديث المؤرخين حول تلك الفترة. كما كتب ابن النفيس شروحًا للعديد من الكتب الفلسفية المعروفة في عصره، مثل كتب “الإشارات” و”شرح الهداية” لابن سينا.
وفاة ابن النفيس
توفي ابن النفيس عن عمر يناهز الثمانين عامًا. وقد روى المؤرخون أن الأطباء حاولوا تخفيف آلام مرضه بواسطة الخمر، لكنه أبى تناولها وفضل تحمل الألم حتى وفاته. وقد أوقف مؤلفاته وكل ما يملك لصالح المستشفى المنصوري بالقاهرة.