بحث حول رسالة النبي محمد

فهم البعثة

أحداث البعثة

تتناول دراسات العلماء سيرة النبي محمد -عليه الصلاة والسلام- والأحداث البارزة في حياته، ومن هذه الأحداث بداية نزول الوحي عليه. وقد وقع هذا عندما بلغ النبي -صلى الله عليه وسلم- سن الأربعين، وهو العمر الذي يُعتبر فيه الإنسان قد وصل إلى ذروة النضج والكمال.

ظهرت آثار النبوة على النبي من خلال الرؤى الصادقة التي كان يحلم بها، حيث كانت تتحقق كما رآها. استمرت هذه الفترة لمدة ستة أشهر. وبعدها، هبط الوحي بواسطة جبريل -عليه السلام- على النبي وهو في غار حراء، وكان عمره آنذاك أربعين سنة وعدة أشهر.

أمره جبريل -عليه السلام- بالقراءة، فأجابه النبي بأنه غير قادر على القراءة، فعاود جبريل الأمر ثلاث مرات، ثم قال له: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ). عاد النبي إلى زوجته خديجة وهو في حالة من الخوف والارتباك، وأخبرها بما حدث له في الغار ورؤية جبريل، فقالت له: “كلا والله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكَلَّ، وتُعين على نوائب الدهر”، مدحته بصفات كثيرة وطمأنته.

أخذت السيدة خديجة النبي إلى ابن عمها ورقة بن نوفل لتخبره بما حدث، حيث كان نصرانياً ويتوفر لديه علم بالكتب السابقة. فأخبرها أنه إذا كان ما حدث صحيحاً، فهو النبي الذي أُرسل لهذه الأمة. وبعد فترة من الزمن توقف نزول الوحي، مما أثار حزن النبي واستمر في انتظار الوحي. بعد فترة رأى جبريل جالساً على كرسي بين السماء والأرض، وبشره بالنبوة.

خاف النبي من رؤيته وهرع إلى خديجة قائلاً: “زمّلوني، دثّروني”، فأنزل الله عليه قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ). كانت هذه الآيات نداءً للنبي -صلى الله عليه وسلم- ليبدأ مهمته في دعوة الناس إلى الإسلام.

للمزيد من المعلومات حول أول سورة نزلت على النبي، يمكن الاطلاع على المقالة: ((أول سورة نزلت على الرسول)).

عند بدء دعوته، كانت أول من أسلمت معه هي زوجته خديجة، التي صدقته وآزرته في مواجهة ما تعرض له من رفض وكذب من المشركين. تبعه أبو بكر الذي انخرط أيضاً في الدعوة وسخر ما لديه لخدمة الدين والنبي.

تلاه علي بن أبي طالب الذي أسلم في العاشرة من عمره، ثم زيد بن حارثة، ثم عثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله، ليكون هؤلاء الثمانية من أوائل السابقين إلى الإسلام والتصديق بالنبي.

الدعوة السرية

بدأت دعوة النبي في مكة المكرمة في مرحلتين؛ المرحلة السرية، والمرحلة الجهرية. وقد واجهت الدعوة تحديات عديدة من المشركين خلال هاتين المرحلتين.

المرحلة السرية كانت مخصصة لأهل بيت النبي ومن شعر النبي أنهم يستحقون الخير. كان يأخذهم إلى دار الأرقم ليعلمهم القرآن ويفهمهم ما ينزل عليه من الوحي. استمر هذا الأمر لفترة تقارب الثلاث سنوات، حيث أمر الله نبيه بالجهر بالدعوة. كما بلغ عدد الذين أسلموا في تلك الفترة أربعين رجلاً وامرأة واحدة.

للمزيد من التفاصيل حول الدعوة السرية، يمكن الاطلاع على المقالة: ((كم كانت مدة الدعوة سراً)).

الدعوة الجهرية

بعد صعوبة القضاء على الإسلام، جاء الأمر الإلهي للنبي بالتعبير عن دعوته بصوت واضح لجعل الإسلام معروفاً بين الناس. بدأ النبي دعوته لأقربائه، وفقاً لوحي الله (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ)، وكان هذا خطوة تدريجية لضمان أن يكونوا معه ويدعمونه.

لاحقاً، تلقت دعوته التوجيه لمخاطبة قريش بكافة عشائرها، حيث صعد النبي على جبل الصفا ونادى عشيرته. قال: (أَرَأَيْتَكُمْ لو أخْبَرْتُكُمْ أنَّ خَيْلًا بالوَادِي تُرِيدُ أنْ تُغِيرَ عَلَيْكُم، أكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟ قالوا: نَعَمْ، ما جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلَّا صِدْقًا، قالَ: فإنِّي نَذِيرٌ لَّكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ). كان الرد من عمه أبو لهب سلبياً، حيث قال: “تَبًّا لكَ سَائِرَ اليَومِ، ألِهذا جَمَعْتَنَا؟”، فتُعتبر هذه الآية: (تَبَّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ وتَبَّ ما أغْنَى عنْه مَالُهُ وما كَسَبَ) تبياناً لرفض دعوته.

في خلال هذا الوقت، وقف عمّه أبو طالب بجانبه رغم عدم إيمانه، بينما كانت هناك تعليمات بعدم الاعتداء على المشركين. قال تعالى: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ).

للمزيد من المعلومات حول الدعوة الجهرية، يمكن الاطلاع على المقالة: ((ما هي الدعوة الجهرية)).

لمعرفة المزيد حول مراحل دعوة الرسول -صلى الله عليه وسلم- يمكنكم قراءة المقالة: ((مراحل الدعوة الإسلامية)).

فهم الوحي

يُظهر الله رسالته وأوامره لأنبيائه من خلال وسائل متعددة، كما ذُكِر في القرآن الكريم والسنة النبوية. يمكن تلخيصها في ثلاث طرق، كما ورد في قوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّـهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ)، وهي:

  • الوحي: يُستخدم هذا المصطلح للإشارة إلى الكتاب، كما يشير أيضاً إلى الإشارة والرسالة والكتابة والإلهام. يُفهم الوحي في سياقه الشرعي كإخبار الله لمن اختارهم من عباده بكل ما يريد اطلاعهم عليه من أنواع المعرفة، وهذا يتم بطريقة سرّية وغير معلومة لبقية البشر.

يمكن أن يتخذ الوحي عدة أشكال، فقد يكون حديثاً بين الله وعبده، كما حصل مع موسى عليه السلام، أو إلهاماً يقذفه الله في قلب النبي، أو عبر الرؤية، أو من خلال جبريل -عليه السلام- وهو أمين الوحي، وهذا هو الشكل الأكثر شهرة. وقد ذُكر الوحي وأنواعه في القرآن في أكثر من سبعين موضعاً، تركزت حول مفهوم الإعلام السريع الخفي.

  • يمكن أن يكون كلام الله مباشراً للنبي، دون وسيط، حيث يُكَلم الله من وراء حجاب. كيفية هذا التكليم تظل من أسرار الغيب.
  • إرسال ملك ليكون رسولاً لله بينه وبين النبي، وقد يأتي النبي بصورته الملائكية، أو بشكل رجل يتمكن النبي وأصحابه من رؤيته وإحساسهم به.

علامات نبوة النبي قبل وبعد البعثة

يمهد الله تعالى لنبيه وللناس من حوله عن طريق علامات ودلائل تشير إلى صدق نبوة النبي. تنقسم هذه العلامات إلى نوعين:

علامات النبوة قبل البعثة

أرسل الله نبيه محمد بعد فترة انقطاع الرسل، حيث انتشر الشرك والجهل. لكن قبل البعثة، كانت هناك علامات تشير إلى نبوته، تُعرف بالإرهاصات، منها:

  • ظهور البركة في بيت مُرضعته حليمة السعدية، مثل الخير الذي كان يحلَّ في المكان الذي ترعى فيه أغنامها.
  • حادثة شق صدر النبي وتطهيره، عندما جاءه ملكان شقا قلبه واستخرجاه وغسلاه.
  • استسقاء جده عبد المطلب به في زمن الجدب، حيث استجاب الله لدعائه.
  • تبشير الكتب السماوية به، مثلما ورد في سفر التثنية الذي يتنبأ بظهور نبي في جبل فاران.
  • إشارات نبوية في كتب أخرى، مثل ما أشار إليه الملك هِرقل ونجاشي الحبشة.
  • سلام الحجر والشجر عليه خلال مسيرته مجتازاً مكة.
  • تظليله بالغمام أثناء رحلته إلى الشام.

علامات النبوة بعد البعثة

تتمثل العلامات التي ظهرت على النبي بعد بعثته في المعجزات التي تعد أبرزها:

  • القرآن الكريم: وهو معجزة خالدة تدل على صدق النبي، يجمع بين العلم والمعرفة، تحدى الله به العرب ولم يستطيعوا مواجهة هذه المعجزة.

للمزيد من التفاصيل حول أهمية القرآن الكريم، يمكن الاطلاع على المقالة: ((أهمية القرآن الكريم)).

  • سقوط الأصنام عند إشارات النبي.

أفاد الصحابة أن النبي في فتح مكة كان يخاطب الأصنام، وتسقط دون عناء، رغم ثباتها.

  • تسبيح الحصى في يد النبي.

روى العديد من الصحابة أن النبي أثناء وجوده في سفر استخدم قطعاً من الحصى، وكانت تُسبح في كفه.

قال الصحابة: “كنا مع النبي في سفر، وعندما قلَّ الماء، طلب الماء القليل، وعند إدخاله يده، رأينا الماء ينبع من بين أصابعه، كما كنا نسمع تسبيح الطعام ليتناوله.”

  • نبع الماء بين أصابع النبي.

في إحدى المناسبات، تعذر الماء أثناء الفجر، ولكن الماء كان ينبع بين أصابعه، وهو حدث تكرر في أكثر من موطن خلال حياته.

  • الإسراء والمعراج.

تم الإسراء بالنبي من مكة إلى المسجد الأقصى، ثم عرج به إلى السماوات العلى وعاد إلى مكة في نفس الليلة. وقد شهد خلالها العديد من المعجزات والآيات.

لإلقاء مزيد من الضوء على حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم- يُمكن الرجوع إلى المقالة: ((بحث عن حياة الرسول منذ مولده حتى وفاته)).

Scroll to Top