في سياق تفسير قوله تعالى: “الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله”، سنستعرض واحدة من العلامات الأساسية التي تشير إلى أصحاب الإيمان، وسنقوم بشرح هذه الآية بشكل مفصل فيما يلي.
الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله
- الآية “الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ” هي الآية رقم 28 من سورة الرعد، والتي تأتي في الجزء الثالث عشر من القرآن الكريم.
- وتقول الآية: “الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ”.
- وقد وردت هذه الآية الكريمة في سياق الحديث عن أولئك الذين يتوبون ويعودون إلى الله، مقابل الذين يعرضون وينكرون.
روابط الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله مع ما قبلها
- في الآية التي تسبقها، يقول الله عز وجل:
- “وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ” (الرعد).
- تسلط الآية الضوء على الحجج العديدة التي يطرحها الكافرون المعاندون لرفض الإيمان، حيث يطالبون بمعجزات تأتي من السماء، فيجيبهم الله بأنه هو الذي يختار من يهدي ومن يضل.
- ومن السمات التي تميز الأشخاص الذين ينالون الهداية هو سرعة الرجوع والتوبة إلى الله؛ إذ أن إيمانهم يتجلى في مسارعتهم للتوبة عند ارتكاب الخطأ بمعرفة.
- وبعد أن ذكر الله من يهدي من أناب، تحدث بتفصيل أكثر عن صفاتهم فقال:
- “الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ”.
- وبذلك تظهر الآية في موقع ملائم لما سبقها، مُعبرة عن دعوة كل قارئ اكتساب هذه الصفات للحصول على هداية الله وراحة القلب.
تفسير: الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله
- عندما يقول الله تعالى “الذين آمنوا”، فهذا يشير إلى الذين حققوا أركان الإيمان الستة: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر.
- كما أنهم الأشخاص الذين ينطقون بكلمة لا إله إلا الله ويعملون بموجبها وبالأعمال الصالحة.
- فالإيمان عند علماء الدين يتطلب قولاً باللسان وتصديقًا بالقلب وأعمالًا بالجوارح، ولا يكتمل الإيمان إلا بتوازن هذه العناصر.
- قوله تعالى “وتطمئن قلوبهم” يعني أن قلوبهم تشعر بالسكينة والطمأنينة، مما يجعلهم يمشون في أمان.
- فالطمأنينة هي ما يسعى خلفه الجميع في هذه الحياة، حيث يستهدف البشر، من خلال مجهوداتهم، السعادة والهدوء النفسي. ومع ذلك، فإنه لا يمكن تحقيق هذه الطمأنينة إلا من خلال رضى الله وذكره والاقتراب منه، فهو الوحيد القادر على منح القلوب الهدوء والهداية.
- قوله تعالى “بذكر الله” تشير إلى أن الطمأنينة من نصيب الذين يذكرون الله باستمرار، حيث تكون الألسن مشغولة بذكر الله في جميع الأوقات.
- وقد ذكر الله ذلك أيضًا في سورة آل عمران عند قوله: “لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ” (آل عمران 190)، ثم أكد على أنه “ألا بذكر الله تطمئن القلوب”.
تفسير مُبسط
- الذين آمنوا وتستقر قلوبهم بذكر الله، فالطمأنينة يأتي من ذكر الله وتوحيده.
ملخص التفسير
- المفهوم: الذين يهديهم الله هم الذين يؤمنون، وتستأنس قلوبهم بذكر الله، سواء كان ذلك عبر التسبيح أو تلاوة القرآن، حيث أن ذكر الله هو ما يجلب الطمأنينة للقلوب.
تفسير الجلالين
- المعنى: هؤلاء الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله، أي بوعده. فإطمئنان القلوب بذكر الله خاص بالمؤمنين.
تفسير السعدي
- المعنى: علامة المؤمنين هي أن قلقهم يزول بذكر الله، فهذه الطمأنينة تأتي من معرفة الله ومحبته، والذكر يشمل كافة أنواع التسبيح وقد يُشير إلى القرآن الكريم.
تفسير البغوي
- المعنى: الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله، حيث يكون السكون حاصلًا بفضل اليقين. الطمأنينة تتحقق عند ذكر وعد الله والثواب، بينما يكون الانزعاج عند ذكر العقاب.
التفسير الوسيط
- المعنى: الله يصف المؤمنين بأن قلوبهم تسكن بذكره. الطمأنينة تأتي من تدبر القرآن، الذي يُعتبر الذكر المعجز الذي يهدي القلوب.
تفسير ابن كثير
- المعنى: الذين آمنوا قلوبهم تسكن بذكر الله، فهم في حاجة لهذا، فإطمئنانهم يأتي من الاعتماد على الله كناصرهم ووليهم.
تفسير القرطبي
- المعنى: الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله، سواء عبر التسبيح أو التأمل في آياته. كما أن الطمأنينة تنبع أيضًا من طاعة الله.
روابط الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله مع ما بعدها
- الله عز وجل يذكر بعد هذه الآية “الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَىٰ لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ” (الرعد).
- بعد الإشارة إلى ما يناله المؤمنون من طمأنينة القلب، ذكر الله مصيرهم في الآخرة.
- يشير أهل العلم إلى أن “طوبى” هي شجرة في الجنة معدة لأهل الإيمان والأعمال الصالحة جزاءً لهم.
فوائد تفسير: الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله
- من فوائد تفسير: الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله أهمية التوبة والرجوع إلى الله.
- فكل إنسان خطاؤون، لكن أفضل الخطائين هم الذين يلتزمون بالتوبة. لذا على من يرتكب ذنبًا صغيرًا أو كبيرًا الإسراع في التوبة والاستغفار.
- كما أن من فوائد تفسير هذه الآية أن الطمأنينة تعتبر نوعًا من النعيم في الدنيا والآخرة.
- كما جعلها الله مكافأة سريعة للمؤمنين في الدنيا، فإن النصيب الأكبر منها سيكون في الجنة حيث لا حزن ولا همّ.
- ومن الفوائد أيضًا إدراك فضيلة الذكر ومنافعه العديدة في الحياة الدنيا قبل الآخرة. فذكر الله يعتبر من أعظم العبادات.
- كما أنه من أسهل العبادات، فهو لا يقتصر على وقت معين أو مكان أو هيئة، بل يمكن أن يترافق مع أي حال.
لذا يمكنكم التعرف على:
سمات أهل الإيمان
- استعراضنا في تفسير: الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله سمتين من سمات أهل الإيمان:
- الإنابة السريعة إلى الله.
- وكذلك الإكثار من ذكر الله والمداومة عليه.
- كذلك يوجد سمات أخرى يتميز بها المؤمنون ليكونوا قدوة للناس.
- من بين هذه السمات إيمانهم بالغيب وتسليمهم لأمر الله والالتزام بما هو مثبت بالدليل القوي من كتاب الله أو السنة.
- ومن السمات أيضًا حرصهم على صلاة الأوقات وعدم التهاون فيها، بل تجدهم المبادرين دائمًا.
- أما عن الأمانة والوفاء بالعهد، فتستند هذه السمات على أنهم يحافظون على عهودهم مهما كانت الظروف، وهذا ما وصفهم الله في القرآن.
- كما جاء في سورة الرعد “الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنقُضُونَ الْمِيثَاقَ” (الرعد 20)، وهذه الصفات تجعلهم مثالًا يُحتذى به لجميع الناس.
- وفي النهاية تضمن لهم جنات النعيم يوم القيامة نتيجة لرحمة الله وعطاءه.
فضائل ذكر الله تعالى
- يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “الذكر للقلب مثل الماء للسمك، فكيف تكون حالة السمك إذا افتقد الماء؟”.
- إن لذكر الله تعالى أهمية خاصة في حياة كل مسلم، كما هو من علامات المؤمنين المخلصين وسبب لنيل الطمأنينة.
- ويوجد فضائل عديدة للذكر تُذكر في أقوال النبي صلى الله عليه وسلم، مثل قوله: “ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها وأرفعها في درجاتكم
- وخيرٌ لكم من إنفاق الذهب والفضة، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم، فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم؟”،
- فقالوا: بلى، فقال: (ذكر الله تعالى) رواه الترمذي والحاكم وصححه.
- كما أن الذكر يعتبر سببًا لذكر الله للعبد في الملأ الأعلى، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: “لا يقعد قوم يذكرون الله عز وجل
- إلا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده” رواه مسلم.
- بالإضافة لذلك، فإن أهل الذكر هم من السابقين في الآخرة، كما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “سبقَ المُفرّدونَ”،
- فسأله الصحابة: ومن المُفرّدونَ؟ فقال: “الذين يهترونَ في ذكرِ اللهِ عز وجلَ” صحيحة للألباني.