مفهوم النوافل
تعريف النوافل
النوافل في اللغة تعني الزيادة، أما في الاصطلاح فهي تشير إلى الصلوات التي تتجاوز الفرائض، حيث تُعتبر صلاة النفل إضافية على ما أوجبه الله -عز وجل- على المسلمين. لذا، هي الصلوات التي ليست فرضًا أو واجبًا، وكل سنة تُعتبر نافلة لأنها تتجاوز الفرض، ولكن ليس كل نفل يُعتبر سنة.
وقد ورد في حديث ربيعة بن مالك الأسلمي -رضي الله عنه- أنه كان يقضي الليل مع النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- وقد دارت بينهما مناقشة، فقال ربيعة: (كنت أبيت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأتَيْته بوُضُوئه وحاجته، فقال لي: سَلْ، فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة. قال: أو غير ذلك؟ قلت: هو ذاك. قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود).
أهمية النوافل
وضح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أهمية النوافل بقوله: (إن أول ما يُحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صَلَحَت فقد أفلح وأنجح، وإن فسَدَت فقد خاب وخسر. فإن انتقص من فريضته شيئاً، قال الرب تبارك وتعالى: انظروا هل لعبدي من تطوّع يكمل بها ما انتقص من الفريضة، ثم يكون سائر عمله على ذلك).
النوافل تسد النقائص وتساعد في إبعاد الشيطان عن الإنسان الذي يحاول إشغاله عن فروضه. فإذا وجد الإنسان ملتزمًا بما لم يُفرض عليه، فإنه سيحافظ على ما فرضه الله عليه. كما أُشْرِعَت النوافل أيضًا كوسيلة للتقرب إلى الله -سبحانه وتعالى-، كما جاء في الحديث القدسي: (وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أُحبَّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يُبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددِي عن نفس المؤمن، يَكره الموت وأنا أكره مساءته).
ينال فاعل صلاة النافلة جزاءً، بينما لا يُعاقب من يتجاهلها. لكن، ترك النوافل يفوّت على العبد أجرًا كبيرًا.
أقسام النوافل
تنقسم النوافل إلى قسمين رئيسيين، وهما:
- القسم الأول: الرواتب: وهي نوافل مرتبطة بالفرائض، وتعرف أيضًا بالرُواتب أو سنن الفرائض، وتشمل نوعين:
- نوافل مؤكدة: تضم اثنتي عشرة ركعة؛ أربع ركعات قبل الظهر، وركعتان بعده، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر.
- نوافل غير مؤكدة: تشمل أربع ركعات قبل العصر، وركعتان قبل المغرب، وركعتان قبل العشاء.
- القسم الثاني: النوافل غير الرواتب: وهي كثيرة، تتضمن الوتر وصلاة الضحى، وسيتم توضيح كلا النوعين لاحقًا في المقال.
متى تُصلى النوافل
نوافل مقيّدة بوقت
هناك العديد من النوافل المقيّدة بأوقات محددة، ومنها:
وقت صلاة العيدين
يبدأ وقت أداء صلاة العيد من وقت طلوع الشمس وارتفاعها قدر رمح أو رمحين، وهذا يُقدر بحوالي ربع ساعة تقريبًا. ويختلف حسب المكان الذي تُقام فيه الصلاة، وينتهي وقت الصلاة بزوال الشمس وفقًا لآراء العلماء.
وقت صلاة الضحى
وقت صلاة الضحى يبدأ بعد طلوع الشمس حين ترتفع وتصبح بيضاء، ويستمر حتى منتصف النهار. والأفضل صلاتها بعد أن تسخن الأرض. روى زيد بن أرقم أنه رأى قومًا يصلون الضحى في بداية النهار فقال: أما علموا أن النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- قال: (صلاة الأوابين حين ترمض الفصال).
يمكن للمسلم أن يصلي ركعتين، أو أربعًا، أو ستًا، أو ثمانٍ، أو اثنتي عشرة ركعة، وتؤدي عادةً ركعتين ركعتين. وقد ذكر الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- في فضلها: (يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة… ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى). وذكر في حديث قدسي أن الله -عز وجل- قال: (ابن آدم اركع لي أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره).
وقد رأت أم هانئ النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- يصلي الضحى، وذكرت أنه (قام فصلى ثماني ركعات ملتفاً بثوب واحد… حتى قال لها النبي: (وذاك ضحى).
وقت صلاة الخسوف والكسوف
يبدأ وقت صلاة الخسوف عند بداية خسوف القمر، ويستمر حتى ينتهي الخسوف. بينما يبدأ وقت صلاة الكسوف عند بدء كسوف الشمس، ويستمر حتى يزول الكسوف، سواء كان الضوء قد زال كليًا أو جزئيًا. تُصلى الصلاتان خلال فترتهما، مما يدل على عدم وجود وقت محدد لصلاة الخسوف والكسوف، بل تُحدد الأحداث الظاهرة.
وتظهر مشروعية الصلاتين حين كسفت الشمس يوم وفاة إبراهيم ابن النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، حيث اعتقد الناس أن الشمس كسفت لموته، فأنكر النبي ذلك وقال: (إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم فصلوا وادعوا الله).
وفيما يتعلق بمدة الصلاتين، قال النبي: (فإذا رأيتموهما، فادعوا الله وصلوا حتى ينجلِيَ). وبذلك يتضح أن صلاة الكسوف والخسوف قد تستغرق وقتًا طويلًا، ولا مانع من ذلك شريطة ألا تُلهي عن أداء الفريضة، حيث أن الفروض أولى من النوافل. في هذه الحالة، يمكن تخفيف صلاة الكسوف أو الخسوف لأداء الفريضة، ولا توجد كراهة في أدائها في نهاية وقت العصر مثل بقية النوافل.
وقت صلاة الاستسقاء
يكون وقت صلاة الاستسقاء عند حلول القحط وحاجة الناس إلى المطر. حيث اشتكى الناس للنبي -صلى الله عليه وسلم- من قلة المطر، فأمر بوضع منبر له في المسجد وحدد موعدًا للناس للاجتماع. فعندما جاء النبي -صلى الله عليه وسلم- في الموعد، صعد المنبر، وكبّر الله وحمده، ثم قال: (الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، ملك يوم الدين، لا إله إلا الله يفعل ما يريد، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغاً إلى حين). ثم رفع يديه وظل يرفعها حتى بدا بياض إبطيه، ثم حوّل ظهره إلى الناس ورفع يديه، ونزل فأدى ركعتين، فأرسل الله سحابة وتزندت وأمطر الله بإذنه، ولم يعد النبي إلى مسجده حتى جرت السيول، وعندما رأى سرعة الناس نحو الكنز ضحك حتى بدت نواجذه، فقال: أشهد أن الله على كل شيء قدير وأنني عبد الله ورسوله.
نوافل مطلقة غير مقيّدة بوقت
النوافل المطلقة غير المقيّدة بوقت هي النوافل التي يمكن أداؤها في أي عدد وفي أي وقت، باستثناء أوقات الكراهة الخمسة المتمثلة في: من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس، ومن طلوع الشمس حتى ترتفع بمقدار رمح، وعند استواء الشمس حتى تزول، ومن صلاة العصر حتى غروبها، ومن بدء الغروب حتى يُكتمل. ليس لها عدد محدد، ولا وقت، ولا مكان معين، وتؤدى في أي حالة، وهي مشروعة للمسافر والمقيم، ويجب أن تكون هناك نية للصلاة، فينوي المصلي قبل البدء، ويمكن له أن يجمعها مع نوافله الأخرى، كأن يجمعها على سبيل المثال مع سنة المغرب.
نوافل تُصلى قبل الفرائض أو بعدها
تشير هذه إلى السنن التي تُصلى قبل أو بعد الصلوات، وهي إما رواتب أو غير رواتب كما ذكرنا سابقًا. المفصّل فيما يلي:
- الرّواتب: تشمل اثنتي عشرة ركعة؛ منها أربع ركعات قبل الظهر تُصلى ركعتان ركعتان، وركعتان بعد الظهر مع تسليمة واحدة، وركعتان بعد المغرب مع تسليمة واحدة، وركعتان بعد العشاء مع تسليمة واحدة، وركعتان قبل صلاة الفجر مع تسليمة واحدة. تُعتبر هذه من أفضل أنواع النوافل.
- غير الرواتب (المندوبات): تتضمن أربع ركعات قبل العصر تُصلى ركعتان ركعتان، فقد ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قوله في فضل الركعات قبل صلاة العصر: (رحم الله امرأً صلى قبل العصر أربعًا). وأربع ركعات قبل العشاء، وأربع ركعات بعده، وست ركعات بعد المغرب. هذه سنن غير مرتبطة بالصلوات فرض وليست سنن مؤكدة، بل تُندب إليها، كما أخرج البخاري عن رسول الله أنه قال: (بين كل أذانين صلاة، وبين كل أذانين صلاة، ثم قال في الثالثة: لمن شاء).
أوقات تُكره فيها صلاة النوافل
الأوقات التي يُكره فيها أداء النوافل هي ذاتها أوقات الكراهة العامة. وفيما يلي توضيحها:
- بعد صلاة الفجر حتى ترتفع الشمس بمقدار رمح.
وقد فسر العلماء مقدار الرمح بأنه يساوي نحو اثني عشر شبراً بناءً على يد متوسطة الحجم.
- بعد صلاة العصر.
كذلك يُكره التنفل بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس، حيث أخرج الإمام مسلم عن الصحابي الجليل أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: (أنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وعن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس).
- وقت توسُّط الشمس في السماء.
قد رأى جمهور الفقهاء (الحنفية والشافعية والحنابلة) كراهة الصلاة في وقت توسُّط الشمس في السماء، تحديدًا عند استواء الشمس مع الأرض، وقبل زوالها عن منتصف السماء. بينما الإمام مالك لم يرَ بذلك كراهة وفقًا لعمل أهل المدينة، حيث قال: “لا أكره الصلاة نصف النهار إذا استوت الشمس في منتصف السماء، سواء في يوم الجمعة أو غيره”. كذلك، فإن الشافعية استثنوا كراهة الصلاة في وقت الاستواء يوم الجمعة، وكذلك الأوقات المخصصة لأسباب مثل صلاة الكسوف أو الخسوف.
- قبل أذان الظهر.
التنفل قبل أذان الظهر بعشر دقائق هو مكروه.
- الصلاة بعد صلاة الوتر.
كذلك من أوقات الكراهة الصلاة بعد صلاة الوتر لمن لا سبب لديه. وسيتم توضيح بعض الاستثناءات فيما بعد.
وقد روى الصحابي عمرو بن عبسة -رضي الله عنه- أنه سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أوقات الصلاة المباحة، واستنتج العلماء من نفس الحديث أوقات الكراهة، فقال عمرو: (يا رسول الله، أي الليل أسمع؟ فقال: جوف الليل الآخر، فصلِّ ما شئت، فإن الصلاة مشهودة مكتوبة حتى تصلّي الصبح، ثم أقصر حتى تطلع الشمس، وترتفع قيد رمح أو رمحين، فإنها تشرق بين قرني شيطان، ويصلي لها الكفار. ثم صلِّ ما شئت، فإن الصلاة مشهودة مكتوبة حتى يعدل الرمح ظله، ثم أقصر، فإن جهنم تسجر وتفتح أبوابها، فإذا زاغت الشمس، فصلِّ ما شئت، فإن الصلاة مشهودة حتى تصلّي العصر، ثم أقصر حتى تغرب الشمس، فإنها تغرب بين قرني شيطان، ويصلي لها الكفار).
أما النوافل المستثناة من أوقات الكراهة فهي الصلوات ذات الأسباب، مثل صلاة الاستخارة، سنة الوضوء، الكسوف، الخسوف، صلاة الاستسقاء، صلاة القضاء لفرض فات المسلم، وصلاة النذر. وقد تعددت آراء العلماء حول تحية المسجد، حول إن كانت ذات سبب أم لا، فمن اعتبرها ذات سبب لم يُقِم كراهة في أدائها في هذه الأوقات.