فتح مكة
لقد أراد الله -سبحانه وتعالى- أن يدخل الرسول والمجتمع المسلم مكةَ فاتحين، مُنتزِعين المدينة من أيدي قريش، ومُطهّرينها من الأوثان، مُعيدين إليها قيمتها الأصلية كمنبع للأمن والطهارة. تم ذلك في العشرين من شهر رمضان في السنة الثامنة للهجرة، بعد أن عايش المسلمون ظلم قريش وخصومتهم للإسلام وأهله، الأمر الذي أدى إلى ترسُّخ الدين في قلوبهم. يُعرف فتح مكة أيضًا بالفتح الأعظم والفتح المبين.
أسباب فتح مكة
كان صلح الحديبية هو المحفز الرئيسي لفتح مكة، حيث كان قد اتفق الرسول مع قريش على حرية اختيار الأفراد والجماعات في الانحياز لأي طرف؛ سواءً لدخول حِلف الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو بحلف قريش. أي اعتداء على القبائل المتحالفة مع أي من الطرفين يُعتبر اعتداءً على الطرف المعني. انحازت بنو بكر لقريش، بينما انحازت بنو خزاعة للرسول -صلى الله عليه وسلم-. دعم هذا الصلح الأمن بين القبيلتين المتنازعتين. ومع ذلك، لم يستمر هذا الهدوء طويلاً. في عام 8 هـ، وفي شهر شعبان تحديدًا، قامت بنو بكر بالتعاون مع قريش بمهاجمة بنو خزاعة، مما أدى إلى قتل 23 شخصًا من بينهم نساء وأطفال. فرّ الناجون إلى الحرم، حيث استمر بنو بكر في انتهاك حرمة المكان.
هذا الاعتداء اعتُبر خرقًا لصلح الحديبية، وهو تعدٍ مباشر على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعلى المسلمين. لجأ قوم خزاعة بعد ذلك إلى بديل بن ورقاء، وفي الوقت نفسه، قرر عمرو بن سالم التحرك إلى المدينة ليبلغ الرسول بما حدث، مُنشِدًا شعرًا يصف معاناتهم، مُذكِّرًا بالعهد مع الرسول. ردّ عليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعبارة: “نُصرت يا عمرو بن سالم”.
للمزيد من التفاصيل عن صلح الحديبية، يُرجى الاطلاع على مقالة: ((ما هو صلح الحديبية)).
أحداث فتح مكة
رسول قريش
أراد النبي التأكد من التفاصيل المتعلقة بما حدث لبني خزاعة، فأرسل رجلًا إلى قريش يطالبهم بدفع دية القتلى أو إلغاء التحالف مع بني بكر، لكن قريش اختارت نبذ العهد. تأكد الرسول بذلك من موقفهم، فبرئت ذمتهم. ومع ذلك، ندموا بعد ذلك وقرروا إصلاح الموقف، فأرسلوا أبا سفيان إلى الرسول لتجديد العهد، لكنه لم يُقبل. حاول أبو سفيان التواصل مع الآخرين أيضًا، ولكن دون جدوى، وعاد إلى مكة بلا اتفاق.
الوضع السياسي والعسكري
كانت قريش تدرك مكانة الرسول بعد صلح الحديبية، حيث ازداد عدد المسلمين وقوتهم، وحققوا انتصارات في معارك مثل مؤتة. أصبح الوضع السياسي للمسلمين قويًا بعد أن أسلمت قبائل من اليمن والبحرين، وزادت علاقتهم بالدول الأخرى. في المقابل، كانت قريش تعاني من ضعف عسكري وسياسي بسبب انتزاع فرسانها إلى معسكر الإسلام.
التجهيز والتخطيط
أوصى الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالتجهيز للمعركة دون أن يحدد الوجهة. جهزت السيدة عائشة له، وعندما سألها أبو بكر عن المقصد، صمتت، لكن عند سؤال الرسول، ذكر أبو بكر: “يا رسول الله، ألم يكن هناك ميثاق؟”. أرسل الرسول إلى البدو ليحثهم على الجهوزية، والتحق الكثير منهم بالمعسكر. أشار الرسول إلى أنه سيتجه إلى مكة، وأمر بإخفاء التحركات العسكرية عن قريش.
رسالة حاطب
كتب حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة يخبرهم بحركة الرسول، وأرسلها مع امرأة، لكنها جرى اكتشافها بفضل الوحي. أرسل الرسول علي بن أبي طالب والزبير بن العوام لاسترجاع الرسالة، وتم ذلك بنجاح. استدعى الرسول حاطبًا واستفسر عن تصرفه، حيث كان يحاول كسب ولاء مكة. اعترض عمر بن الخطاب على الأمر، ولكن الرسول ذكر أن حاطب من أهل بدر، وبالتالي له مكانته.
الاقتراب من مكة
بدأ الجيش الإسلامي بالتوجه نحو مكة، وعيّن الرسول أبا رهم الغفاري على المدينة. في الطريق، التقى الرسول مع عمه العباس، وعندما وصل إلى منطقة الأبواء، تجنب الاجتماع بأبي سفيان. لكن وفق نصيحة علي بن أبي طالب، استقبل أبو سفيان الرسول واعتنق الإسلام. أعلن الرسول عن الأمان لكل من يدخل دار أبي سفيان أو يغلق بابه.
استمر أبو سفيان في تحذير أهل مكة من قوة الجيش الإسلامي. وفي ذي طوى، قسم الرسول الجيش وأصدر الأوامر للدخول بشكل منظم، مما أدى إلى مقاومة من قريش لكن سرعان ما تم السيطرة عليها.
دخول مكة
توجه المسلمون إلى مكة مُكبرين، وكانت أهدافهم تطهير البيت الحرام من الشرك. أعلن النبي أنه سيتعامل مع قريش بلطف، فاستقبلهم بالصفح والعفو. بدأت مراسم الطواف حول البيت وتدمير الأصنام، مما كان له أثر عميق في توطيد قيم الإسلام.
اجتمعت قريش حول البيت، وسأل الرسول قريش عن تصرفه معهم، فأجابوه بالنصيحة الطيبة، فكان رده: “اذهبوا فأنتم الطلقاء”. تبع ذلك خطبة النبي التي كانت مليئة بالتحذيرات والإرشادات حول حرمة مكة.
عظمة أخلاق النبي في فتح مكة
خلّف فتح مكة تأثيرًا ضخمًا، إذ تُظهر صفات الرسول كداعية حقيقي يحمل الأخلاق السامية. حيث عفا عن حاطب بن أبي بلتعة وأهل قريش، مما يُظهر عظيم تسامحه وتواضعه بعد النصر العظيم. بعد أكثر من عشرين عامًا من الصراع، قدّم الرسول العفو لمنافسيه، ليبدأ عهد جديد للإسلام.
نتائج فتح مكة
أفضى فتح مكة إلى مجموعة من النتائج المهمة، منها:
- إنهاء عبادة الأصنام والشرك، والبدء بتوحيد الله.
- تخفيف الظلم عن المضطهدين في مكة المنطلقين نحو الحق.
- إقبال الناس على الإسلام بسلاسة، فاستقبل الله طلباتهم.
- رفع مكانة الإسلام في عقول وقلوب الناس في الجزيرة العربية.
- تثبت المؤمنين في عزمهم على دخول البيت الحرام وفق الوعد الإلهي.