الموقع التاريخي لنزول السورة
تُعتبر سورة الطارق من السُّور المكيّة بإجماع علماء التفسير، حيث نزلت في مكة المكرمة تحديدًا قبل السنة العاشرة من بعثة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-. وتحتل هذه السورة موضعًا بين سورتي البلد والقمر، إذ نزلت بعد سورة البلد وقبل سورة القمر.
ترتيب السورة وعدد آياتها
تتألف سورة الطارق من سبعة عشر آية. وفقًا لترتيب السور في المصحف الشريف، فهي تأتي في الترتيب السادس والثمانين، وتقع في الجزء الثلاثين من القرآن الكريم، مما يجعلها واحدة من سور المفصَّل.
أسباب تسميتها
تعود تسمية سورة الطارق إلى القسم الذي أقسم به الله -عزَّ وجلَّ- في بدايتها بالطارق، حيث قال في كتابه: (وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ). وقد وضَّح الله عَزَّ وَجَلَّ في السورة معناه من خلال الإشارة إلى النجم الثاقب الذي يظهر ليلاً ويختفي نهارًا.
أسباب النزول
ستتناول هذه الفقرة أسباب نزول بعض آيات سورة الطارق، كالتالي:
- الآيات الثلاث الأولى
عندما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- جالسًا مع عمه أبو طالب، ظهرت نجمة ملأت الأرض نورًا، مما أثار رعب أبو طالب وسأله عن الأمر، فأجابه النبي بأنها آية من آيات الله، فأنزل الله قوله -تعالى-: (وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ* النَّجْمُ الثَّاقِبُ).
- الآية الخامسة
كان أبو الأشد يتحدى قريشًا بأن يمنح من يزيل عنه الأديم مكافأة، وكان يردد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يزعم أن لجهنم تسعة عشر خازنًا، وكان يطلب منهم أن يكفوه منهم تسعة بينما سيكفيهم هو عشرة. فأنزل الله -تعالى- قوله: (فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ).
روابط السورة بما قبلها
اختتم الله -عزَّ وجلَّ- سورة البروج بالحديث عن اللوح المحفوظ، وأكد أن حفظ اللوح مرتبط بحفظ السماء المذكورة في بداية سورة الطارق. كما يُعتبر حفظ اللوح من مظاهر قدرة الله -عزَّ وجلَّ-، وهو أيضًا حفظ النفس الذي تم الحديث عنه في الآية الرابعة بقول الله -تعالى-: (إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ).
يمكن القول بأنّ العلاقة الموجودة بين سورة الطارق وسورة البروج تكمن في كلاً منهما قد ابتدأتا بذكر السماء والقسم بها، حيث بدأت سورة البروج بقول الله -تعالى-: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ)، وبداية سورة الطارق بقول الله -تعالى-: (وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ)، ما يجعلهما من سور المُسبّحات.
موضوعات السورة
تتناول سورة الطارق أربعة موضوعات رئيسية، وهي: حفظ الإنسان، وإظهار قدرة الله على بعثه، والكشف عن أسرار يوم القيامة، وصدق آيات القرآن الكريم، إلى جانب دعوة المكذبين لإمهالهم. فيما يلي سنستعرض تفاصيل كل موضوع:
- الآيات الأربعة الأولى
بيّن الله -عزَّ وجلَّ- في تلك الآيات الأربع حفظه للإنسان بواسطة الملائكة الأبرار، حيث أقسم على ذلك بالطارق مُظهرًا معناه كما في قولة -تعالى-: (وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ* النَّجْمُ الثَّاقِبُ* إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ).
- الآيات الخامسة حتى العاشرة
في هذه الآيات أثبت الله -عزَّ وجلَّ- إمكانية إعادة إحياء الموتى، من خلال التذكير بعملية خلق الإنسان، وكشفت الآيات عن أسرار يوم القيامة وكيف يكون حال الإنسان فيه بدون قوة أو معونة، كما جاء في قوله -تعالى-: (فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ* خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ* يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ* إِنَّهُ عَلَىٰ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ* يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ* فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ).
- الآيات من التاسعة إلى الرابعة عشر
تسلط هذه الآيات الضوء على صدق القرآن الكريم، وأن كلماته قوية وجادة وليس كما يُقال هزلًا، وقد أقسم الله -عزَّ وجلَّ- على ذلك بالسماء، كما جاء في قوله -تعالى-: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ* وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ* إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ* وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ).
- الآيات الثلاث الأخيرة
اختتم الله -عزَّ وجلَّ- سورة الطارق بالتحدث عن الكافرين المكذبين وتهديدهم، وأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالصبر عليهم وعدم التسرع في عذابهم، كما جاء في قوله -تعالى-: (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا* وَأَكِيدُ كَيْدًا* فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا).