دراسة علمية حول ظاهرة البراكين وآثارها

تعريف البركان

يمكن تعريف البركان (بالإنجليزية: Volcano) كظاهرة طبيعية تتسبب في انفتاح ثقب أو فتحة في القشرة الأرضية، حيث تنفجر من خلالها مواد من أعماق الأرض نحو السطح تُعرف بالصهارة (بالإنجليزية: Magma)، التي تتكون من قطع الصخور، الرماد، الغازات الساخنة وغيرها. تتراكم هذه المواد حول الفتحة، وتمثل البراكين أحد الظواهر التي ساهمت في تشكيل الغلاف الجوي والمحيطات والكتل القارية. من المهم الإشارة إلى أن ثوران حوالي مئة بركان يحدث سنويًا على سطح الأرض، كما يمكن أن تحدث البراكين على الكواكب الأخرى.

كيفية حدوث البراكين

تحدث البراكين كوسيلة لتخفيف الضغط ودرجة الحرارة الداخلية في أعماق الأرض. يحدث البركان نتيجة لاختلاف كثافة الحمم المنصهرة في باطن الأرض عن كثافة الصخور المحيطة بها، مما يؤدي لارتفاع الصهارة نحو السطح أو إلى أعماق معينة تعتمد على كثافتها ووزن الصخور المحيطة. يبدأ التدفق نتيجة للضغط الناتج عن الغازات الذائبة في الصهارة، مما ينتج عنه خروجها إلى السطح وارتفاعها لمسافات عمودية قد تكون كبيرة.

الأجزاء الرئيسية للبركان

يتكون البركان من الأجزاء الرئيسية التالية:

  1. الحجرة الصهارية: هي الفضاء الداخلي للبركان حيث تتجمع الحمم والغازات.
  2. المدخنة: الأنبوب الذي تمر من خلاله الحمم البركانية من الحجرة الصهارية إلى السطح، ويمكن أن يحتوي البركان على مدخنة واحدة أو مدخنة رئيسية متصلة بمداخن فرعية.
  3. عنق البركان: الفتحة، أو عدة فتحات، منها واحدة فقط رئيسية تقع على سطح البركان، وتخرج منها الحمم أو الغازات أو الرماد أو مواد بركانية أخرى.
  4. الفوهة: الفتحة العلوية في البركان التي تتكون نتيجة لارتفاع الحمم البركانية.
  5. المخروط البركاني: الجوانب المائلة للبركان المكونة من الحمم البركانية، حيث يتحدد انحدارها بناءً على نوع النشاط البركاني وطبيعة المقذوفات التي تخرج من الفوهة.

أنواع البراكين

البراكين حسب الشكل

وفقًا لما ذكره العالمان توم سيمكين (Tom Simkin) ولي سيبرت (Lee Siebert) في كتابهما “براكين العالم” (Volcanoes of the World)، هناك 26 نوعًا من البراكين مصنفة حسب شكلها وكيفية تكوّنها، إلا أن 90% منها تصنف تحت ستة أنواع رئيسية، وهي كما يلي:

البراكين المركبة

تعتبر البراكين المركبة (بالإنجليزية: Composite volcanoes أو Stratovolcanoes) الشكل التقليدي الأكثر ارتباطًا بمفهوم البركان، حيث تكون مخروطية الشكل نتيجة لتراكم طبقات متعددة من الحمم البركانية ومواد أخرى، وقد تصل قممها إلى ارتفاعات تتراوح بين مئات إلى بضعة آلاف من الأمتار. يُمكن أن تنفجر هذه البراكين من قممها أو من جوانبها، مما يؤدي إلى تكوين طبقات متداخلة. بالرغم من أن تشكيل هذه الطبقات قد يستغرق آلاف السنين، إلا أن نشاطها قد يستمر لآلاف السنين، مع درجة انحدار تتراوح بين 30 إلى 35 درجة.

البراكين الدرعية

تتكون البراكين الدرعية نتيجة لتدفق الحمم المنصهرة وتراكمها بالقرب من الفتحة البركانية، وذلك بسبب قلة لزوجة المواد المنصهرة، مما يمنع انحدارها. تنتشر هذه البراكين (بالإنجليزية: Shield volcanoes) على مساحات واسعة وتكون ارتفاعاتها منخفضة نسبيًا عند ثورانها، حيث تشكل الحمم المسالة ما يُعرف باللافا (lava) بنسبة 90% من إجمالي المواد التي تخرج من البركان. تُعتبر البراكين في هاواي من أشهر أمثلة البراكين الدرعية.

مجموعة كالديرا ريوليت

يُطلق البعض على هذا النوع من البراكين “البراكين العكسية” (بالإنجليزية: inverse volcanoes) بسبب انحدارها نحو الأسفل بدلاً من الارتفاع. يُعتبر هذا النوع من البراكين الأكثر قوة لانفجارها، حيث يطلق كميات هائلة من الرماد تمتد لآلاف الكيلومترات. لم يشهد العالم الحديث مثل هذه الانفجارات منذ العام 83م، وتوجد أمثلة على كالديرا ريوليت مثل بركان يلوستون (Yellowstone) وبركان لابريمافيرا (La Primavera) وبركان رابول (Rabaul).

الحقول البركانية

تمتد الحقول البركانية (بالإنجليزية: Monogenetic fields) على مساحات شاسعة تحتوي على مئات أو آلاف الفتحات البركانية نتيجة لانخفاض تدفق الصهارة من باطن الأرض. عند ثوران إحدى هذه الفتحات، يتم توزيع الحمم البركانية على مساحة كبيرة بشكل غير متوقع. تشمل مواقع الحقول البركانية الشهيرة حقل سان فرانسيسكو البركاني (بالإنجليزية: San Francisco) وحقل وسان مارتن توكستلا (بالإنجليزية: San Martín Tuxtla) وحقل ميتشواكان-غواناخواتو (بالإنجليزية: Michoacan-Guanajuato).

بركان الثوران البازلتي

يعد بركان الثوران البازلتي أحد أشكال التدفق البركاني التي تُعتقد بأنها تحدث بفعل الحمل الحراري في بعض المناطق الساخنة، مما يدفع الحمم البازلتية الكثيفة إلى التدفق بشكل متقطع عبر مساحات شاسعة. يُعتبر تدفق البازلت من أشكال الثوران البركاني ذات المخاطر البيئية الكبيرة، إذ يتسبب في تلوث المياه والغلاف الجوي عبر إطلاق الغازات المسببة للتلوث مثل غاز ثاني أكسيد الكبريت.

سلاسل ظهر المحيط

تتكون سلاسل ظهر المحيط نتيجة ابتعاد الصفائح الجيولوجية لقاع المحيط، مما يؤدي لتدفق الصهارة من باطن الأرض لملء الفراغ. تُعتبر الصخور البركانية البازلتية هي الأكثر نشاطًا في تكوين التلال المحيطية، وهي نوع الصخور الأكثر انتشارًا على وجه الأرض، حيث تشكل قيعان المحيطات.

البراكين حسب النشاط

يمكن تصنيف البراكين وفقًا لنشاطها إلى الأنواع التالية:

  1. البراكين النشطة (بالإنجليزية: Active Volcano): لا يشترط أن تكون في حالة ثوران فعلي لتصنف كبركانية نشطة، حيث تعتبر تلك التي سجل العلماء نشاطًا بركانيًا لها في تواريخ سابقة. يوجد على الأرض حوالي 600 بركان نشط، وتثور عادة كل 50 إلى 60 عامًا.
  • البراكين الخامدة (بالإنجليزية: Extinct Volcano): لا تحمل أية علامات تدل على وقوع ثورات أو نشاط حديث، ومن غير المتوقع أن تنفجر مرة أخرى.
  • البراكين الساكنة (بالإنجليزية: Dormant Volcano): تُعرف بالبراكين الخاملة، حيث تحمل دلائل جيولوجية تشير إلى حدوث نشاط بركاني في الماضي ولكنه كان قديمًا. تعتبر هذه البراكين خطرًا على المناطق المحيطة بها بسبب صعوبة إقناع السكان بوجود خطر محتمل.

أنواع الثورات البركانية

يمكن تقسيم البراكين حسب طريقة ثوران الحمم والصهارة إلى الأنواع التالية:

  • الانبثاق البركاني (بالإنجليزية: Effusive Eruptions): يحدث عندما تكون لزوجة الصهارة منخفضة، مما يجعل الحمم تتدفق بسلاسة. قد تخرج الصهارة بشكل مقذوفات تُشبه جدارًا يعرف باسم (curtain of fire).
  • الانفجار البركاني (Explosive Eruptions): يحدث عندما تكون لزوجة الصهارة عالية، مما يتسبب بانفجار فقاعات الغاز داخل الصهارة. ينتج عن ذلك تطاير حبيبات صغيرة من الصهارة الساخنة، مما يؤدي إلى تبريدها وتساقطها على هيئة رماد بركاني أو مواد صلبة تُعرف بالبراكلاست.

البراكين حول العالم

تنتشر البراكين في مناطق متعددة من العالم، حيث يُقدر عددها بحوالي 1500 بركان، إضافة إلى تلك الموجودة في قيعان المحيطات. شهدت البشرية ثوران حوالي 500 بركان عبر التاريخ. تعتبر منطقة حافة المحيط الهادئ واحدة من أبرز الأماكن ذات الكثافة البركانية، وتُعرف باسم “حزام النار” (بالإنجليزية: Ring of Fire). حاليًا، هناك 40 إلى 50 بركانًا نشطًا يمكن أن ينفجر في أي وقت، بالإضافة إلى 185 بركانًا يُمكن ملاحظة نشاطها.

يعد بركان مونا لوا (Mauna Loa) الموجود في جزيرة هاواي أكبر بركان نشط في العالم، حيث يبلغ ارتفاعه حوالي 96.5 كم وعرضه 46.28 كم، وقد ثار آخر مرة في عام 1984 بعد سلسلة من 39 ثورة منذ عام 1832، حيث كان يثور كل ستة أعوام تقريبًا لفترة تمتد لثلاثة آلاف عام.

مخاطر البراكين

المخاطر الرئيسية

تترتب على ثوران البراكين العديد من المخاطر المباشرة، حيث تُعتبر الحمم البركانية التي تطلقها البركان خطراً داهماً بسبب سرعتها التي قد تصل إلى 64 كم/ساعة، مما يُصعب على السكان المجاورين تجنب آثارها. لا يقتصر تأثير البراكين على الحمم فحسب، بل ينتج عن التدفق البركاني الفتاتي (Pyroclastic) مخاطر كبيرة، إذ يتسبب في مخاطر الحروق والاختناق عند سرعة تدفقه العالية.

أيضًا، يُعتبر تساقط الرماد البركاني من المخاطر الملموسة الأخرى، حيث قد يتسبب في إلحاق الأذى بمناطق بعيدة عن البركان. كما يُعتبر الرماد البركاني خطرًا على المزروعات، وقد يؤدي لتدهور الزراعة لعدة سنوات بعد حدث الثوران. الغازات السامة، مثل غاز كلوريد الهيدروجين (HCl) وثاني أكسيد الكربون (CO2) وفوريد الهيدروجين (HF)، تشكل أيضًا تهديدًا لحياة الكائنات الحية.

المخاطر الثانوية

توجد مجموعة من المخاطر الثانوية الناتجة عن ثورات البراكين، ومنها:

  • التدفقات الطينية: ناتجة عن تلوث مصادر المياه بالرماد والمواد الناتجة عن البراكين، ويمكن أن تظهر بعد مرور سنوات على ثوران البركان.
  • الانهيارات الأرضية والجليدية: قد تؤدي المواد الإضافية التي تضخها البراكين إلى عدم استقرار الجبال البركانية وحدوث انهيارات محتملة.
  • الفيضانات: يمكن أن تسد المواد البركانية شبكة الصرف الصحي وموارد المياه، مما يؤدي إلى حدوث فيضانات، خاصة في المناطق الجليدية.
  • الزلازل البركانية: قد يسبب خروج الصهارة من باطن الأرض زلازل في المناطق المحيطة، تتراوح شدتها بين البسيطة والخطيرة.
  • تأثيرات الغلاف الجوي: يمكن أن تؤدي الغازات الناتجة عن الثوران إلى تغييرات في تركيب الغلاف الجوي وتقليل درجات الحرارة.

الآثار الإيجابية للبراكين

على الرغم من الآثار السلبية للبراكين، إلا أن لها فوائد عديدة. على الصعيد الاقتصادي، يُمكن استغلال الحرارة الناتجة عنها لتوليد الطاقة الحرارية، وتعتبر الولايات المتحدة من الدول الرائدة في إنتاج هذه الطاقة. كما تُشكل البراكين مصدراً حيوياً لاستخراج المعادن مثل الذهب والفضة. من ناحية أخرى، تساعد على تحسين خصوبة التربة، مما يعزز من زراعة أنواع متعددة من النباتات.

Scroll to Top