الدار الآخرة
حدد الله -سبحانه وتعالى- لهذه الحياة الدنيا نهاية، وجعل الدار الآخرة منزلاً للبقاء والخلود. إن أول مراحل الآخرة هو القبر، حيث يكون قبر المؤمن روضة من رياض الجنة، بينما يكون للكافر حفرة من حفر النار. وعذاب القبر محوري في الشريعة الإسلامية، وهناك بعض الأمور التي يمكن أن تنجي العبد من هذا العذاب، مثل الاستعاذة بالله من عذاب القبر، والاجتهاد في عمل الخير، وقراءة سورة الملك. وفي سياق الحديث عن رحلة الآخرة، يتبع القبر نفخ الصور، الذي يتضمن نفختين: الأولى تُسمى نفخة الفزع، والثانية تُعرف بنفخة البعث، وتفصل بينهما أربعون سنة. في تلك اللحظة، يبعث الله تعالى جميع المخلوقات، بعد ذلك يأتي يوم الحشر الذي يستمر لخمسين ألف سنة، حيث يجمع الله فيه الخلائق بأنواعهم المختلفة. جدير بالذكر أن المؤمنين سيكونون في أمان، حيث يمر عليهم اليوم كأنه صلاة الظهر، بينما سيكون الكافرين والمنافقين في حالة من الهلع، يتخاصمون فيما بينهم ويلعنون بعضهم، وتُكشف أسرارهم. بعد ذلك، تحدث الشفاعة، التي تنقسم إلى خاصة وعامة، حيث خصّ الله سبحانه وتعالى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بشفاعة لأمته ليتعجل حسابهم ويكشف بلاءهم أما الشفاعة العامة فهي لنبي الله محمد صلى الله عليه وسلم وغيرهم لرفع درجات المؤمنين واستعادة من دخل النار منهم.
بعد ذلك، تأتي مرحلة الحساب، حيث يحاسب الله الكافرين أمام الناس، ويسألهم عن أموالهم وأعمارهم وسائر أمورهم، ويكشف أعمالهم. من جهة أخرى، يتلقى المؤمن حسابه في خصوصية، وبعد إقراره بذنوبه، يغفر الله تعالى له. يُذكر أن أول ما يُحاسب عليه العبد يوم القيامة هو الصلاة والقتل، وأمّة محمد صلى الله عليه وسلم هي أولى الأمم في الحساب. بعد الحساب، يتلقى المؤمن كتابه بيمينه بينما يتلقاه الكافر بشماله. ثم تُقيّم الأعمال بميزان دقيق، ويُرد المؤمنون إلى الحوض، ومن ثم يعبر المؤمنون الصراط إلى الجنة ويتجه الكافرون إلى النار.
الجنة
تعود جذور كلمة “جنة” في اللغة إلى الفعل “جن” بمعنى ستَر، ويعود سبب تسميتها بهذا الاسم إلى وفرة الأشجار فيها، بما في ذلك أشجار النخيل، حيث تتداخل أشجار الجنة وتُستّر ما فيها. تعريف الجنة في الاصطلاح هو المكان الذي أعدّه الله -سبحانه وتعالى- لعباده المؤمنين ليكون جزاءً لهم ونعيمًا، حيث أعدّ فيها ما تشتهيه أنفسهم وتُسرّ به أعينهم، كجزاء للأعمال الصالحة التي قدموها في الدنيا. يُذكر أن الجنة وردت في القرآن الكريم في العديد من المواضع، تحت مسميات متنوعة مثل دار الخلد، جنة المأوى، وجنة الفردوس وغيرها. وقد وُصف أنها بعرض السماوات والأرض، وأن أكلها دائم وظلها دائم، مما يعني أن النعيم فيها دائم والمساكن فيها رائعة، مع أنهار تتدفق فيها، وهذه الأنهار متنوعة، بما فيها أنهار العسل والماء النقي ولبن لا يتغير طعمه.
من بين نعيم الجنة أيضًا: الفواكه بألوانها المتعددة، وخمرة اللذة للشاربين، حيث تتميز خمرة الآخرة بأنها لا تُفقد العقل بل تُدخل السرور على قلب الشارب. يرتدي أهل الجنة ثياب الاستبرق والسندس، أي من الحرير الطبيعي الناعم. وفي الجنة، يستمتع المتقون بالاسترخاء على سرر ويطلبون ما يشتهون، ويتزوجهم الله تعالى بالحور العين، هؤلاء الخيرات الجميلات اللواتي لم يطأهن أحد من الإنس أو الجن. ولا يمكن حصر نعيم الجنة في كلمات، لكن يُلاحظ أن للجنة درجات، والأعلى بينها هو الفردوس الأعلى، بينما عدد درجاتها غير مؤكد، ولكن يشير بعض العلماء إلى أنها بعدد آيات القرآن الكريم، كما ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (يقال لصاحب القرآن: اقرأ، وارتقِ، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرأ بها).
النار
تُعرف النار في اللغة بأنها اللهب أو الحرارة المُحترقة، أما تعريفها في الاصطلاح فهي المكان الذي أعدّه الله تعالى كعاقبة لعذاب الذين كفروا به. النار وقودها الناس والحجارة، كما ورد في الآية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّـهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ). كما أن للجنة درجات فقد أُعدّت النار أيضًا دركات يُدخل الله فيها أهلها بحسب مستوى عصيانهم وسوء أعمالهم. وقد تم تخصيص أسفل درجات النار للمنافقين، كما ذكر في قول الله تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا).
تحتوي النار على أشكال مختلفة من العذاب، حيث يتمنى أهلها لو يستطعون النجاة بأي شكل كان. يمكن تصور ذلك من خلال أن نار الدنيا بحرارتها ما هي إلا جزء يسير من جهنّم. في العقاب داخل النار، يُسلط سلاسل وأغلال يُقيد بها أهلها، بينما يُعاني الكافرين من ماء حميم، وظل يُحمى، وهواء مميت. عندما تلفح النار الوجوه، تُحيلها عظامًا بلا لحم، وتُصهر البطون وما فيها. كما أن جهنّم ضيقة فيحتشد فيها الكافرون والمنافقون متراصين، مما يزيد من ألوان عذابهم. أما طعام أهل النار فهو الضريع، وهو نبات شائك لا يُشبع، مما يدفعهم إلى تناول صديد وقيح أجسادهم، بينما يُقدم لهم شراب حميم شديد السخونة يُمزق الأحشاء، وملابسهم تُصنع من نار، وفي شدة المعاناة في جهنّم، يتمنى أهلها الموت، لكنهم يُعانون أكثر.