تعريف ببدر شاكر السيّاب
بدر شاكر السيّاب شاعر عراقي بارز، يُعتبر من أعلام التجديد في الشعر العربي الحديث، ومؤسسي حركة الشعر الحر. عُرف بشغله مع مجموعة من الشعراء مثل صلاح عبد الصبور وأمل دنقل ولميعة عباس عمارة، وقد اتسمت قصائده بجمالية التعبير والشعور الخالص، حيث خَرَج عن الأنماط التقليدية، مبرزًا ملامح الحزن التي غمرت شعره بسبب المصاعب الاجتماعية والنفسية والجسدية التي واجهها، حتى وافته المنية في 24 ديسمبر 1964.
حياة بدر شاكر السيّاب
وُلِد بدر شاكر بن عبد الجبار بن مرزوق في عام 1926، في تاريخ غير معلوم حتى بالنسبة له، وذلك بسبب نسيان والده تسجيل تاريخ ولادته. نشأ في قرية جيكور الصغيرة بجنوب العراق التي عُرفت بجمال طبيعتها، وكانت غالبية سكانها يمتهنون زراعة النخيل. كان والده يعاني من ضيق مادي في ظروف الأسرة الممتدة. وتُوفّيت والدته كريمة، ابنة عم والده، أثناء ولادتها له في عام 1930، ليعيش بعد ذلك اليتم وهو في السادسة من عمره، متنقلاً بين بيت جديه لأبيه وأمه.
تنقّل السيّاب بين جيكور وأبي الخصيب والبصرة ليحصل على تعليمه، ثم انضم إلى دار المعلمين ببغداد في عام 1943، حيث درس أدب اللغة العربية لمدة عامين، ثم انتقل إلى قسم الأدب الإنجليزي وتخرّج بشهادة في الأدب الإنجليزي في عام 1949.
المراحل الشعرية عند بدر شاكر السيّاب
بدأ السيّاب مسيرته الشعرية في شبابه بكتابة الشعر باللهجة العامية، ثم انتقل إلى الشعر الفصيح مُتأثراً بشعراء الرومانسية. رغم ذلك، لم تتميز قصائده في تلك الفترة بجديد. ولكن مع نهاية الحرب العالمية الثانية، دخل في مرحلة غزارة الإنتاج، حيث نشر عدة دواوين شعرية مثل (أنشودة المطر) و(المعبد الغريق) و(منزل الأقنان)، والتي انتشرت فيها ملامح التجديد في الشعر العربي الحديث. وفي نهاية الأربعينيات، كتب أول قصيدة بأسلوب جديد تحت عنوان (هل كان حباً).
السمات الشعرية عند بدر شاكر السيّاب
التراكيب اللغوية والألفاظ
- استخدام تعابير جديدة: يُظهر السياب رؤية فريدة حول أهمية استخدام تعابير محدثة في نصوص الشعر، قائلاً: “إن الشاعر الحديث مطالب بخلق تعابير جديدة.” وتجد في قصائده مثل (ابن الشهيد) تلاحماً استخدم فيه تعبيرات جديدة.
يا ليتني ما زلتُ في لعبي
في ريف جيكور الذي لا يميلُ
عنه الربيع الأبيض الأخضر
السهل يندى والرّبى تُزهرُ
ويُطفئ الأحلام في مُقلتي
كأنها مِنفضة للرمادْ
همس كشوكٍ مسّ من جبهتي
يُنذر بالسارين فوق الجيادْ
- الألفاظ المضعّفة: استخدم السياب الألفاظ المضعّفة بشكل مكثف في نصوصه مما أضفى جمالية موسيقية، مثل: (هسهسة، وغمغمة) في قصيدته (أطفال وأسلحة).
عصافير؟ أم صبيةٌ تمرح
عليها سناً من غدٍ يلمح؟
وأقدامها العارية
مُحارٌ يُصلصل في ساقية
لأذيالهم رفة الشمألٍ
سرت عبر حقلٍ من السَنبل
وهسهسٌة الخبز في يوم عيدْ
وغمغمة الأم باسم الوليدْ
- الألفاظ العامية: اعتمد السياب على الألفاظ العامية -العراقية- حيث أظهر جمالياتها بإيصال أفكاره ومشاعره، مثل: (كوخ، شناشيل، مجداف).
- الألفاظ المكانية: تم استخدام الألفاظ المتعلقة بالأماكن بشكل متكرر في شعره مثل: (البيت، النافذة، المدينة، جيكور)، كما في قصيدته (أفياء جيكور).
جيكور، جيكور ياحقلاً من النور
جيكور مسّي جبيني فهو ملتهب
مسّيه بالسَّعِف
والسنبل الترف
الصورة الفنية
تُعرف الصورة الفنية بإبداع الشاعر في إنتاج صورة تمثل الهيئة الحسية والشعورية من خلال ربط شبيهين. يرى السياب أن الصورة الفنية تمثل “نسخة جمالية تحضر فيها لغة الإبداع الحسية والشعورية، وفق صياغة جديدة”، وقد استخدم عددًا من الصور الفنية في شعره.
- استخدام المجاز: يتجلى في استعارة السياب لخصائص الهمس بين الإنسان وسعف النخيل في النص التالي:
في ليلة قمراء سكرى بالأغاني، في الجنوب
نقر الدربك من بعيد
يتهامس السعف الثقيل به، ويصمت من جديد
- الاستعانة بالأسرار الأسطورية: استخدم السياب القيم الأسطورية لتغني نصوصه، مثل الرموز البابلية واليونانية، مما أضفى على شعره جمالاً رغم بعض الغموض.
غنيت تربتك الحبيبة
وحملتها فأنا المسيح يجرّ في المنفى صليبه
المستوى الدلالي
يُعتبر إرث السياب الشعري ثريًا رغم قِصَر عمره وصعوباته، حيث عكست قصائده تجاربه الذاتية وموضوعات متنوعة تتحدث عن الألم، الحب، الضياع، والغربة.
- الحب والمعاناة: عبّر السياب عن حزن فقدان الأم كأحد أعظم أسباب الألم في حياته، كما في قصيدته (الباب تقرعه الرياح).
هي روحُ أمي هزّها الحب العميق
حبّ الأمومةِ فهي تبكي
آه يا ولدي البعيد عن الديارْ
- الغزل: أخذت قصائد السياب بعيدة في الغزل، عكست حنانه المفقود.
ديوانُ شعرٍ ملؤهُ غزلُ
بينَ العذارى راحَ ينتَقِلُ
- الشعر الوطني: تعكس قصائده شعور الاغتراب عن العراق نتيجة فقدان عائلته.
لأنّي غريبْ
لأنّ العراق الحبيبْ
- الموت: يتكرر ذكر الموت في قصائده الأخيرة، كما في (دار جدي).
أهكذا السنون تذهب
أهكذا الحياة تنضب؟
أحسُّ أنني أذوب أتعب
أموت كالشجر.
موضوعات شعر بدر شاكر السيّاب
يدور مضمون شعر السياب حول ثلاثة محاور رئيسية كما يلي:
الزمكان
برز مفهوم الزمكان في أدب السياب، حيث ارتبطت تجربته الإنسانية بالمكان والزمان، مما ساعده على تشكيل عواطف قوية في شعره. وقد عكس ذكر قريته (جيكور) مكان ذكرياته السعيدة تأثير الوطن عليه، حيث أعاد استحضار الطفولة.
الرمز
يمكن اعتبار السياب رائدًا في استخدام الرمزيّة والأسطورة في شعره، إذ اعتمد على الرموز المستوحاة من الأسطورة لتجسيد معاناته ومعاناة وطنه.
الاغتراب
قامت تجربته في الاغتراب بتشكيل جوهر شعره، حيث عكس مشاعر الحزن والحنين ذات الطابع الروحي.
في ليالي الخريفِ الطِّوال
آهِ لو تَعلمِين
كيف يَطغى عليَّ الأسى والمِلال؟!
شعراء أثروا في السياب
تأثر السياب بعدد من الشعراء العراقيين والعرب والغربيين، خاصة في زمن الخدمة. أشار إلى تأثير وليم شكسبير وجون كيتس في أعماله، فضلاً عن تأثره بأمثال أبي تمام.
مؤلفات بدر شاكر السيّاب
للسياب مجموعة متنوعة من المؤلفات تتضمن:
- الدواوين الشعرية مثل (أزهار ذابلة، وأنشودة المطر، والمعبد الغريق).
- الأعمال النثرية والمحاضرات، منها محاضرة حول الالتزام الأدبي.