مقالة حول أهمية طاعة الوالدين وواجب الأبناء تجاههم

طاعة الوالدين والإحسان إليهما

يُعتبر حقّ طاعة الوالدين والإحسان إليهما من الحقوق الجوهرية التي أكد عليها الإسلام وحثّ عليها بشدة. فقد عظم الله -تعالى- من مكانة الوالدين وأهمية الإحسان إليهما من خلال العديد من النصوص، ومنها ما يلي:

  • أوجب الله -تعالى- حقّهما بعد حقّه، كما ورد في قوله -تعالى-: (وَاعْبُدُوا اللَّـهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا).
  • يُعد برّ الوالدين من أبرز الطرق التي ينال بها المسلم الجنة ونعيمها، حيث قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (الوالِدُ أوسطُ أبوابِ الجنَّةِ، فإنَّ شئتَ فأضِع ذلك البابَ أو احفَظْه).
  • برّ الوالدين هو من أحب الأعمال إلى الله -تعالى- وأفضلها بعد أداء الصلاة في وقتها، كما يُظهر ذلك قول عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: (سَأَلْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أيُّ العَمَلِ أحَبُّ إلى اللَّهِ؟ قالَ: الصَّلَاةُ علَى وقْتِهَا قالَ: ثُمَّ أيٌّ؟ قالَ: برُّ الوَالِدَيْنِ).
  • يعتبر برّ الوالدين سبباً لاستجابة الدعاء وكشف الكروب وعلاج الهموم، إلى جانب كونه سبباً لجلب الخير والبركة.
  • جعل برّ الوالدين دليلاً على الاقتداء بالأنبياء والصالحين، وهو من سماتهم الأخلاقية الرفيعة، حيث وصف الله -تعالى- نبيّه يحيى -عليه السلام- بقوله -تعالى-: (وَبَرًّا بِوالِدَيهِ وَلَم يَكُن جَبّارًا عَصِيًّا)، كما قال عيسى ابن مريم: (وَبَرًّا بِوالِدَتي وَلَم يَجعَلني جَبّارًا شَقِيًّا).

تتجلى مظاهر الإحسان إلى الوالدين وبرهما في عدة جوانب، منها: الحرص على رضاهما من خلال اتباع أوامرهما والامتناع عن النهي بالمعروف، بالإضافة إلى التواضع لهما في الأقوال والأفعال. ينبغي أيضاً التعامل معهما بلطف وإكثار الدعاء لهما بالرحمة والمغفرة، والسعي لتحقيق الخير لهما قدر المستطاع. وقد أُشير إلى ذلك في قوله -تعالى-: (فَلا تَقُل لَهُما أُفٍّ وَلا تَنهَرهُما وَقُل لَهُما قَولًا كَريمًا* وَاخفِض لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحمَةِ وَقُل رَبِّ ارحَمهُما كَما رَبَّياني صَغيرًا).

حدود طاعة الوالدين

رغم أن الله -تعالى- حثّ على طاعة الوالدين والإحسان إليهما، إلا أنه وضع قواعد تحدد هذه الطاعة. يجب طاعة أوامرهما إذا كانت مشروعة وفي إطار المعروف، سواء كانت في الواجبات أو المباحات. وقد ورد في قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنَّما الطَّاعَةُ في المَعروفِ). بينما يُحرم طاعتهما في حال كانت أوامرهما مخالفة لما يرضي الله، كأن يطلبا من ولدهما الشرك بالله أو ترك ما هو فرض، كما يدل على ذلك قوله -تعالى-: (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا)، وأيضاً قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (لا طاعةَ لمخلوقٍ في معصيةِ الخالقِ).

فيما يخصّ طاعة الوالدين عند منعهم من عمل خير، هناك حكمان: الأول هو شهود المعروف الذي يعود بالنفع على الأبناء ولا يسبب ضرراً لهما، مثل قيام الابن بالتهجد أو صيام النفل. في هذه الحالة لا يلزم أخذ إذن منهما. الثاني هو المعروف الذي يعود بالنفع ولكنه قد يسبب ضرراً لأحد الوالدين، مثل الجهاد التطوعي، فإن تم منعه فيجب إعادة التفكير، لأن بر الوالدين وطاعتهما أولى من العمل التطوعي. وبالتالي، يجب الانتباه إلى أن طاعة الوالدين واجبة في كل أمر ينفعهم ولا يُلحق ضرراً بهما. لا يُستحب طاعتهما فيما لا يجلب المنفعة ولا يعود عليهما بالنفع ويُسبب آثاراً سلبية على الأبناء.

من المهم أن يتم ترك طاعة الوالدين بحكمة ولطف عند وجود مخالفات، سواء كانت طلبات لم تكن تتفق مع الشريعة أو أن المنع كان يتعلق بعمل جيد لا يؤذيهم. وينبغي ذلك أن يتم بأسلوب يتسم بالاحترام والكرامة، سواء كان الوالدان مسلمَين أو غير مسلمَين. وقد أشار الله -تعالى- إلى هذا الأمر بقوله: (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا). كما روى البخاري عن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنها- أنها سألت رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عن كون والدتها مشركة، لتقول: (قدمت علي أمي وهي مشركة، فاستفتيت رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، فقال: نَعَمْ صِلِي أُمَّكِ).

حكم طاعة الوالدين

أوجب الله -تعالى- طاعة الوالدين والإحسان إليهما في قوله -تعالى-: (وَقَضى رَبُّكَ أَلّا تَعبُدوا إِلّا إِيّاهُ وَبِالوالِدَينِ إِحسانًا إِمّا يَبلُغَنَّ عِندَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُما أَو كِلاهُما فَلا تَقُل لَهُما أُفٍّ وَلا تَنهَرهُما وَقُل لَهُما قَولًا كَريمًا * وَاخفِض لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحمَةِ وَقُل رَبِّ ارحَمهُما كَما رَبَّياني صَغيرًا). ويُقصد بقوله -تعالى-: (وَقَضى رَبُّكَ) أي أوصى الله بعبادته وحده وبر الوالدين والإحسان إليهما. إذ ليس هناك اختلاف بين الأمر والوصية، ومن الأدلة على ذلك أنه -تعالى- ذكر الوصية في عدة مواضع، مثل قوله -تعالى-: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا). بالإضافة إلى ذلك، يشمل قوله -تعالى-: (وَاخفِض لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحمَةِ) ضرورة التسريع في تلبية طلباتهما.

أعطى الله -تعالى- أهمية خاصة لحق الوالدين بالإحسان إليهما بعدة وسائل، منها: ربط عبادة الله ببر الوالدين، كما في قوله -تعالى-: (وَقَضى رَبُّكَ أَلّا تَعبُدوا إِلّا إِيّاهُ وَبِالوالِدَينِ إِحسانًا). كما قرن الشكر له بشكر الوالدين، كما في قوله -تعالى-: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ). يُضاف إلى ذلك أن العقوق يعد من الكبائر، كما ثبت عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عندما ذكر الكبائر، فقَالَ: (الشِّرْكُ باللَّهِ، وقَتْلُ النَّفْسِ، وعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ). ومن المهم التأكيد أن الإسلام أعطى الوالدين حقّ التكريم والإحسان إليهما سواء كانا على دين الإسلام أو غيره وفقاً لقوله -تعالى-: (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا)؛ حيث أن الله -تعالى- أمر بواجب التعامل معهما بالحسنى والاحترام رغم أي اختلاف في الدين.

Scroll to Top