الكاتب والفيلسوف الروماني شيشرون: حياة وإسهامات في الفكر والثقافة

نبذة عن شيشرون

ماركوس توليوس شيشرون هو كاتب، محامٍ، وفيلسوف، ويعتبر من أعظم الخطباء في التاريخ الروماني. وُلِد في عام 106 قبل الميلاد في مدينة أربينو بإيطاليا، الواقعة جنوب شرق روما. لقد اشتهر شيشرون ببلاغته الفائقة في مجال الخطابة السياسية والفلسفية، وتوفي في 7 ديسمبر عام 43 قبل الميلاد بعد تعرضه للاغتيال أثناء محاولات لاستهدافه.

حياة شيشرون

تنحدر عائلة شيشرون من الطبقة النبيلة، حيث كانت والدته هيلفيا تنتمي إلى عائلة كبيرة تمتلك الأراضي. وقد وفر له والده حياة مريحة سمحت له بالتركيز على الأدب ودراسة الفلسفة، حيث التحق بأحد أفضل المدارس في روما. كما أن شيشرون كان موهوبًا بذكاء فطري، حيث تعلم اللغة اليونانية في سن مبكرة، وبرز شغفه بالبلاغة تحت إشراف المعلم “إل. بلوتيوس”.

طورت شيشرون علاقة وطيدة مع الشاعر أرشياس، الذي علمه الأدب والشعر حتى سن السادسة عشرة. من جهته، أنتج شيشرون عملاً بعنوان “Glaucus Pontius”، مما جعله ليس فقط خطيباً بارزاً بل أيضًا شاعراً رائداً في روما. قام لاحقًا بترجمة “ظاهرة” أراتوس إلى جانب كتابة قصيدة مشهورة بعنوان “ماريوس”، التي نالت إعجاب النقاد بفضل أسلوبها الهادئ والقوي في آن واحد.

في عمر السادسة عشر، بدأ دراسة القانون المدني تحت إشراف كوينتوس سكافولا. وبعد عشر سنوات، أصبح صديقًا حميمًا لتلميذ السكافولا، الذي كان عضوًا في مجلس الشيوخ. وقد شغل شيشرون لاحقًا منصبًا في مكتب بونتيفكس، كأستاذ يعنى بتعقيدات القانون الروماني.

استغل شيشرون أوقاته الفراغة في ترجمة الخطب الشهيرة للخطباء اليونانيين، لا سيما خطب ديموستين، وسعى لتحقيق التميز الذي أعلنه في مختلف شتات العصور السابقة. كانت إيطاليا في تلك الفترة تشهد تطورات نتيجة الحرب الأهلية.

فلسفة شيشرون

تتمثل أهمية شيشرون في فلسفته بكونه حلقة الوصل بين الفكر اليوناني والتطورات التي شهدتها الجمهورية الرومانية. يمكن تلخيص فلسفة شيشرون في عدة نقاط رئيسية، على النحو التالي:

  • إدخال الفلسفة إلى الساحة السياسية.

على الرغم من أن شيشرون يُعتبر واحدًا من أعظم الفلاسفة الغربيين، إلا أنه لم يقدم مساهمات جديدة في هذا المجال. ومع ذلك، ينبغي ملاحظة أن شيشرون كان بالأساس سياسيًا، حيث كانت السياسة تمثل له أولوية قصوى.

  • التشكيك في المعتقدات الدينية.

على الرغم من احترامه للدين الروماني، فقد كان يعبر عن ذلك من خلال التقاليد والمنفعة. وفي بعض كتاباته، انتقد الذين يأخذون الأساطير الدينية بجدية، خاصة فيما يتعلق بالأعمال الشعرية. إلا أن هذا لا يعني أنه كان ملحدًا، حيث تأثر بفلاسفة الرواقيين وأكد على وجود قوة إلهية تحكم الكون، حيث قال: “إن الكون وكل أجزائه ترتبت بفضل العناية الإلهية”.

  • رؤيته للطبيعة.

كان شيشرون يؤمن بأن البشرية تتمتع بمكانة بين الله وكائنات الطبيعة الأخرى، إذ أن الطبيعة قد جعلت الحيوانات تنحني، بينما جعلت الإنسان يقف منتصبًا، مشجعًا إياه على النظر إلى السماء كمكانه الأصلي.

  • وظيفة العقل عند شيشرون.

يتيح لنا العقل فهم العلاقات السببية بين الأشياء، مما يمكّننا من تحليل الأحداث واستنتاج المعرفة، مستفيدين من التجربة المختلفة عن الحيوانات التي تسودها العواطف فقط.

مؤلفات وأعمال شيشرون

تتميز مؤلفات شيشرون بكثافة فكرية وثراء، حيث تشمل مجموعة متنوعة من الكتب والخطب والرسائل. ومن بعض مؤلفاته البارزة:

كتب شيشرون

  • “في الشيخوخة” الذي ألّفه عام 44 قبل الميلاد.
  • “في نهايات الخير والشر” الذي كُتب في عام 45 قبل الميلاد.

خطب شيشرون

توجد خطبة مشهورة لشيشرون للدفاع عن ببليوس كونكتيوس.

رسائل شيشرون

تحتوي رسائله على عنوان مثير “أسباب تجعلني راغبًا في الموت”، والتي كُتبت في أزمنة متفرقة، حيث يعد العنوان جزءًا من رسالة يعود تاريخها إلى 47 قبل الميلاد.

أثر شيشرون في الأدب

امتد تأثير شيشرون إلى الأدباء والمثقفين حتى العصر الحديث. فقد ألهمت أفكاره عددًا من الروائيين مثل روبرت هاريس، الذي قدم سلسلة من ثلاث روايات مستلهمة من حياة شيشرون السياسية، تروي سيرة ذاتية تاريخية، وهي كما يلي:

  • رواية “امبيريوم”.

نُشرت في عام 2005، وهي رواية تصور روما القديمة من منظور هاريس، حيث يواجه شيشرون الفوضى السياسية ويسعى لنشر العدالة.

تبدأ الرواية بنقل إحساس محاكمة شيشرون للقاضي فيريس، المعروف بسوء سلوكه، مما يعكس ملامح شخصية شيشرون المدافعة عن العدالة.

  • رواية “التطهير العام”.

نشرت عام 2009، وتتناول الصراعات الداخلية في روما، مشددةً على الدور الذي لعبه شيشرون محافظًا على المبادئ رغم الضغوط، حيث تبدأ الأحداث قبل يومين من تعيينه قنصلًا.

  • رواية “الدكتاتور”.

نشرت في عام 2015، حيث يتعرض شيشرون لضغوط من القوى القوية التي تحثه على التخلي عن مبادئه، مما يؤدي به إلى المنفى في ظل أحداث تاريخية ملحمية كالأزمة الجمهورية واغتيال قيصر.

اقتباسات من مؤلفات شيشرون

إليك بعض الاقتباسات الهامة من مؤلفاته:

  • “لا تلُم القيصر بل عليك أن تلوم أهل روما الذين أشادوا به، وعبدوه، وفرحوا بفقدان الحرية”.
  • “لا يوجد أبشع من أن يُعتقد أن أغنى الرجال هم الأفضل”.
  • “البلاغة بارقة نادرة في الجنس البشري”.
  • “القوانين تبدو صامتة في زمن الحرب”.
  • “لا يوجد مكان آمن أمام تأثير المال”.

وفاة شيشرون

في حالة من اليأس، سافر شيشرون إلى اليونان في 4 يوليو بعد أربعة أشهر من اغتيال قيصر، ولكنه تخلّى عن رحلته بعد انتقادات من صديقه أتيكوس وعاد إلى روما في 31 أغسطس. وقد دُعي لحفل تكريم ولكنه غاب، مما أدى إلى هجوم عليه بسبب ذلك.

رغم عدم رضاه عن دكتاتورية قيصر ومساندته للمؤامرات ضده، لم يكن شيشرون متورطًا في عملية اغتياله. وبعد مقتل القيصر، حاول شيشرون التأثير في قاتليه ومارك أنطوني، ولكن سرعان ما أدرك أن الأخير يشكل تهديدًا حقيقيًا للجمهورية.

Scroll to Top