مفهوم الحدث التاريخي
تباينت آراء الباحثين في تعريف مفهوم التاريخ بشكل عام، إلا أنهم توافقت آراؤهم على أنه “الإعلام بالوقت”، ويمكن تعريفه وفق ما جاء به ابن خلدون في مقدمته:
“خبر عن الاجتماع الإنساني الذي هو عمران العالم وما يتعرض له ذلك العمران من حالات مثل التوحش والتأنس، والعصبيات وأنواع التغيرات التي تحدث بين البشر، وما ينتج عن ذلك من حكم ودول ومراتب، وما يكتسبه البشر من خلال أعمالهم ومساعيهم كالعلوم والصناعات، وكل ما يحدث في هذا العمران من أحوال.”
أما بالنسبة لمفهوم الحدث، فإن القواميس التقليدية تعرفه بأنه “ما وقع، وما له أهمية، أو الواقعة ذات الطبيعة غير العادية”، لذا يمكن تلخيص تعريف الحدث في ثلاثة معانٍ مستندة إلى ما صاغه المؤرخ بول ريكور في مقاله “عودة الحدث”. المعنى الأول يشير إلى كل ما يحدث يوميًا، أي الظهور المادي للحدث. والمعنى الثاني يتطلب أن يُعتبر الحدث واقعة مهمة بما فيه الكفاية من قبل المعاصرين. أما المعنى الثالث، فيتعلق باختيار الأحداث وترتيبها، أو كما أطلق عليه ريكور “وضع الحبكة”. وبالتالي، يمكن القول إن مصطلح الحدث مرتبط ارتباطًا وثيقًا بمفهوم التاريخ، إذ إن التاريخ بدون الحدث يصبح عرضة لفقدان هويته.
تدوين الحدث التاريخي
يعود بداية تدوين الأحداث إلى اكتشاف التحريات الأثرية لمجموعة من النقوش القديمة والمهمة، إضافة إلى الوثائق والسجلات التي تعود لما قبل الإسلام. وتم الاعتماد على حفظ الأخبار والمعلومات عبر روايات شفوية تتداول على ألسنة القصاص والرواة.
تطور التدوين التاريخي مع ظهور الكتابة التاريخية المنظمة، حيث بدأ الخليفة معاوية بن أبي سفيان بتدوين أخبار العرب وغيرهم تحت عنوان “كتاب الملوك وأخبار الماضين”، نقلًا عن عبد الله بن العباس. استخدم المؤرخون بعد الإسلام، وخاصة في العصر العباسي، أساليب متنوعة لا يمكن حصرها، وفيما يلي نستعرض الأنماط الرئيسية في الكتابة التاريخية:
- الكتابة التاريخية بطريقة التاريخ العام العالمي.
- الكتابة التاريخية في إطار مفتوح.
- الكتابة التاريخية في إطار النسب.
- الكتابة التاريخية في إطار التراجم.
- الكتابة التاريخية في إطار الأسر والسلالات الحاكمة.
- التاريخ المحلي، الخاص بالمناطق والمدن.
تفسير الحدث التاريخي
تختلف وجهة النظر الإسلامية في تفسير الأحداث التاريخية عن غيرها من المواقف الفلسفية الوضعية. يستمد التفسير الإسلامي الجذور من الإسلام، من المبادئ الربانية التي تفسر مفهوم الوجود بكل أبعاده، بما في ذلك الوجود الإلهي، الإنساني، والمادي. ويؤكد أن التاريخ البشري هو تجسيد للمشيئة الربانية وفق سنن معينة.
أما في ما يتعلق بالتفسير التاريخي الغربي، فهناك نوعان بارزان: التفسير المثالي للتاريخ الذي طرحه هيغل، والتفسير المادي للتاريخ الذي أدانه ماركس. حيث أصر هيغل على أن ما يحدث في العالم المادي هو مجرد انعكاس لا إرادي لتقدم روح العالم، بينما أكد ماركس أن الأفكار والمثل العليا تتحقق من خلال البيئة الاقتصادية، وأنها ليست مستقلة.
الحدث التاريخي في الدراسات التاريخية المعاصرة
الحوليَّات وعلاقتها بالحدث التاريخي
تُعتبر مدرسة الحوليات من المدارس المعاصرة المهمة لتأريخ الأحداث التاريخية، وقد نشأت عندما بدأت مجلة “حواليَّات التاريخ الاقتصادي والاجتماعي” في النشر. كان لهذه المجلة دور كبير في التطوير من مجرد نشاط نشر إلى مدرسة تاريخية رائدة على يد مؤرخين فرنسيين في القرن العشرين.
شجع المؤرخ الفرنسي لوسيان فيفر – أحد رواد مدرسة الحوليات – على اتّجاه جديد يقوم على دمج تاريخ العلوم الإنسانية مع تاريخ الاقتصاد والاجتماع. كانت هذه المدرسة تركز على الاهتمام بالشأن التحليلي للمؤرخ بدلاً من إعطاء الأولوية للوثيقة والحدث. ومن هنا بدأت مرحلة تراجع التاريخ التقليدي الذي كان يركز على النخب والشؤون السياسية، وبروز التاريخ الاجتماعي الذي يعنى بالمجموعات التي كانت خارج دائرة السلطة.
بهذا الشكل، رفضت المدرسة التركيز على الفرد والحدث، واتجهت نحو استثمار مواضيع جديدة تضم “الواقعة الاجتماعية الشاملة”، بدلاً من التاريخ السياسي التقليدي. وفي عام 1946، قام فيفر بتغيير اسم المجلة إلى “الحوليات: اقتصاديات – مجتمعات – حضارات”.
عودة السرد
تأثر كل من الكتابة التاريخية والرواية ببعضهما خلال القرن التاسع عشر. يمكن تعريف الرواية التاريخية على أنها عمل سردي يهدف إلى اعادة تصوير فترة من الماضي بطريقة تخيلية، حيث تأخذ من التاريخ أحداثه الكبرى وتستمد منه شخصياتها وأماكنها.
ومع ذلك، فإن الرواية تُعتبر جنسًا أدبيًا يعتمد على الخيال، وكان هناك دائمًا مقاومة من الكتابة التاريخية لهذا التخيل. وقد سعت مدرسة الحوليات في القرن العشرين إلى تأكيد هذا الموقف. غير أن الاتجاه الفينومينولوجي جاء ليعيد الإعتبار للخيال، مسلطًا الضوء على أن التاريخ بدون الخيال هو زمان غير إنساني. ولقت العودة للسرد ترحيبًا بعد فترة من الاستبعاد من قبل المؤرخين في سعيهم للوصول إلى الحقيقة.
انبعاث الحدث
بعد أن تعرض التاريخ الحدثي لانتقادات حادة من رواد مدرسة الحوليات، برز الجيل الثاني من المؤرخين بمفاهيم جديدة تتناسب مع المناهج البنيوية، مما جعل الحدث يظهر كعنصر مُربك في التاريخ الطويل. حيث اهتم المؤرخ فرانسو دوس بالتاريخ مجددًا وفحص مكانته، وأصدر كتابه “انبعاث الحدث” موضحًا أزمة الهوية في الكتابة التاريخية وكيف أن التاريخ قد أصبح معرضًا لخطر الضياع بعد انفتاحه على العلوم الإنسانية.
وأشار إلى أنه إذا كان على المؤرخين أن يخلصوا مهنتهم، فلا بد من إعادة الاعتراف بالحدث الذي يُشكل هوية التاريخ كما كانت في الماضي.
أحداث تاريخية غيرت مجرى العالم
يعتبر التاريخ سجلاً شاملاً لكافة تفاصيل الحياة وما جرى فيها، ومن بين هذه الأحداث التاريخية الهامة التي غيرت مجرى العالم، نستعرض ثلاثة أحداث بارزة:
هجرة نبي الإسلام، محمد – صلى الله عليه وسلم – (622م)
بعد أن نزل الوحي على النبي محمد في غار حراء، بدأ دعوته لقومه للتخلي عن عبادة الأصنام وعبادة الله وحده. لكن الغالبية من أهل مكة آذاه وقاوموه، مما اضطر بعضهم للهجرة إلى الحبشة.
بلغت محاولات قريش لإيذاء الرسول ذروتها، حيث اجتمعوا على قتل النبي وقرروا شن هجوم موحد على منزله. لكن الوحي جاء للرسول محذراً ومبلغًا إياه بتفاصيل مؤامرة اغتياله وأمره بالهجرة من مكة إلى المدينة. ووصل النبي إلى المدينة سالمًا في 12 من ربيع الأول عام 622م، حيث استقبله أهل المدينة بفرح، ونجح الإسلام في الانتشار رغم محاولات المشركين واليهود في المدينة لإخماد نور الدعوة.
تحرير العبيد عام 1863م
دخل مفهوم العبودية إلى أمريكا في عام 1619، حيث زادت الحاجة لزرع القطن في الولايات الجنوبية مما أدى إلى ارتفاع عدد العبيد. بينما كانت الولايات الشمالية تشهد زيادة بطيئة في هذا العدد. ونشأ من هذا التباين دعوات من الشمال لتحرير العبيد مقابل المقاومة من الجنوب التي كانت تستفيد من تلك العملة الزراعية.
ومع استحالة الحل عن طريق الحوار، أدى الصراع إلى حرب أهلية أفضت إلى قرار الكونغرس بإلغاء العبودية في عام 1862م. وفي يناير 1863م وبعد صراعات ضارية، تمكن الرئيس لنكولن من إصدار قرار تحرير جميع العبيد في كافة الولايات الأمريكية.