تفسير سورة غافر للدكتور خالد الجليل مكتوب بشكل مفصل

تفسير سورة غافر بنسخة خالد الجليل مكتوبة. لقد أثبت القرآن الكريم عبر العصور بأنه الأساس الرئيسي للحياة الإنسانية، حيث يتبنى المنهج الصحيح الذي يمكّن المجتمعات من مواصلة الحياة في كافة مجالاتها.

تسهم كل سورة من سور القرآن الكريم في فهم الأسباب التي دعت لخلقها، فضلاً عن الأحكام الشرعية الخاصة بها، بهدف بناء مجتمع صحي يتمكن أفراده من التعايش والتواصل والتراحم فيما بينهم. كما أن النصوص القرآنية تساهم في تشكيل الجوهر الداخلي للإنسان.

تحدد هذه النصوص ما ينبغي على الفرد فعله أو تركه ضمن إطار ديني اجتماعي يسعى إلى الإصلاح والخير. في هذا المقال، سنستعرض بشكل مفصل تفسير سورة غافر وتوضيح معاني آياتها الكريمة في القرآن الكريم.

سورة غافر

هي سورة مكية نزلت في مكة المكرمة، وتحتوي على 85 آية. وفيما يلي تفسير السورة:

الآيات من 1-3 (بسم الله الرحمن الرحيم، حم، تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم، غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب، ذي الطول، لا إله إلا هو، إليه المصير).

  • يبرز الله العظيم جلت قدرته بأنه هو الإله الواحد المعبود، والذي ينفرد بأفعاله عز وجل، وهو القادر الذي قهر كل المخلوقات بعزته.
    • وهو العليم بكل أمور الحياة، سواء كانت في السابق أو الحاضر، من بدايتها إلى نهايتها.
    • غافر الذنب لمن أخطأ وتائب، وقابل للتوبة من عباده الذين يعودون إليه.
    • شديد العقاب على الظالمين الذين تحدوا الله بكثرة ذنوبهم دون أدنى اعتذار، وهو ذا الطول بمعنى الإحسان والكرم.
  • لذا، فإن الله قرر أن كمال صفاته تجسد في كونه الإله الوحيد الذي يحتاج المؤمنون إليه بإخلاص في جميع أعمالهم؛ إذ قال: “لا إله إلا هو إليه المصير”.
    • ولذلك يُظهر القرآن الكريم أسماء الله وصفاته وأعماله، أو ينقل عن الغيب في الماضي والمستقبل.
    • كما أنه يُبرز نعم الله وفضائله الكثيرة على عباده.
    • ويتجلى ذلك بوضوح عندما ذكر تعالى (ذي الطول).
  • أو لتوكيد عقابه الشديد عند قوله: (شديد العقاب).
    • وهو ينبه المذنبين أن يتوبوا راجين رحمة الله ومغفرته.
    • كما يُظهر أنه الوحيد المعبود، ويشدّد على قبح الشرك وعبادة غير الله.
    • وكذلك يتحدث عن جزاء المتقين وعقاب الخارجين عن أحكامه، وهذا من أكثر ما تضمنه القرآن الكريم.

الآيات من 4-6 (ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا، فلا يغررنك تقلبهم في البلاد. كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم، وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه.

وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم، فكيف كان عقاب، وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا بأنهم أصحاب النار).

  • يؤكد الله سبحانه وتعالى أن المجادلين في آياته هم الكافرون فقط الذين أبوا ما نزل من وحي.
    • وتعني المجادلة هنا رد آيات الله بمقابلتها بالباطل، بينما المؤمنون هم المتعبدون والخاضعون لله.
  • لكن يجب على الفرد أن لا يغتر بتغير أحواله في الدنيا.
    • فقد هدد الله كل من ناقش آياته بالباطل، كما فعلت الأمم السابقة من قوم نوح وعاد والأحزاب.
    • بعضهم اجتمعوا على بما يرونه حقا ليبطلوا الحق ويؤيدوا الباطل.
  • لكن كلمة الله السامية كانت حقا، وقد نزل عليهم العذاب حتى فهموا أن الله هو الحق ولا مبدل لكلماته.

الآيات من 7-9 (الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا، ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما، فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم).

ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم، ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم، إنك أنت العزيز الحكيم، وقهم السيئات، ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته، وذلك هو الفوز العظيم).

  • يخبر الله تعالى أنه اللطيف بعباده الصالحين ولديه القدرة على خلق أسباب سعادتهم في الحياة دون تدخل منهم.
    • ويبث الملائكة دعاءً لهم واستغفارًا بما يحقق لهم الخير.
  • كما يوضح الرب القدير لنا من هم حملة العرش، وهم الأكثر قربًا من جلاله العظيم.
    • وذلك بسبب كثرة عبادتهم ونصائحهم لعباد الله.
    • لأنهم يعرفون أن الله يحب اهتمامهم بقوله: (الذين يحملون العرش)، وهو عرش الرحمن الذي يتجاوز كافة المخلوقات.
  • وهذا يعني أنهم أفضل الملائكة وأقربهم إلى الله تعالى.
  • ويستمر في توضيح كيف أن الله لطيف بعباده، وهو القادر على محو ذنوبهم من خلال دعائهم والتوسل إليه والاستغفار المستمر.

الآيات من 10-12 (إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون).

قالوا: ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا، فهل إلى خروج من سبيل؟ ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم، وإن يشرك به تؤمنوا، فالحكم لله العلي الكبير).

  • يخبرنا رب العرش العظيم بأن الخزي سيصيب الذين كفروا وسؤالهم عن الرجوع.
    • وكل أشكال الكفر هنا تشمل الكفر بالله أو بكتبه أو رسله أو بيوم البعث، ويؤكد أن رسله دعوا سلطاتهم للإيمان.
  • لكنهم أنكروا ذلك وزادوا في كفرهم حتى حل غضب الله وعقابه.
  • بينما المؤمنون هم من ينالون رضوان الله ونعيمه.

-الآيات من 13-17 (هو الذي يريكم آياته وينزل لكم من السماء رزقًا، وما يتذكر إلا من ينيب، فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون).

رفيع الدرجات ذو العرش، يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق.

يوم هو بارزون، لا يخفى على الله منهم شيء، لمن الملك اليوم؟ لله الواحد القهار، اليوم تجزي كل نفس بما كسبت، لا ظلم اليوم، إن الله سريع الحساب).

  • يذكرنا الله تعالى بنعمه العظيمة تجاه عباده، مع تذكير لتمييز الحق من الباطل.
    • ونظرًا لما أظهره في النفس والآفاق من خلال القرآن الكريم، الذي ينير الدروب ويرشد نحو الهداية.
  • وبهذا يجب على كل متأمل في خلق الله ألا يبقى لديه شك في رؤيته أن الله هو الذي يري عباده آياته.
    • لذا يجب الإخلاص في الدعاء والتقرب إليه وطاعته في كافة الأمور.

-الآيات من 18-20 (وأنذرهم يوم الأزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين، ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع.

يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، والله يقضي بالحق، والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء، إن الله هو السميع البصير).

  • يخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يوم الأزفة هو يوم القيامة الذي اقتربت ساعته.
    • وحان موعده، حيث ستحل الفتن والزلازل، وسوف تصل الأهوال إلى قلوب الناس بشدة الخوف.
    • وحتى الحناجر ستكظمهم، ولن يتحدثوا إلا من يأذن له الله، وكذلك فإن الظالمين لا ينتفعون بقريب ولا شفيع.
  • أجل، الله يعلم كل خافية داخل الصدور.
    • ويعلم ما في الباطن والظاهر وهو الذي يقضي بالحق والعدل، وهو عز وجل بعيد عن أي ظلم أو نقص.
    • فهو كامل في كل صفاته، وهو من يجزئ بين المؤمنين والكافرين في الدنيا والآخرة.

عند الحديث عن سورة غافر وتفسيرها بشكل عام، نجد أنها تدل على صفات الله العظيمة وأفعاله، وتؤكد قدرته على منح العفو والمغفرة لمن يسعى لأن يكون في رزقه ورحمته.

ويمكن للإنسان الاستمتاع بنعم الله، حيث هو القادر على أن يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء. فالجميع تحت رحمته الإلهية وقضائه، ولا منجى إلا بالتقرب إليه والدعاء لكسب النجاة.

Scroll to Top