دراسة حول نظام البرلمان في بريطانيا

تاريخ البرلمان البريطاني

يُعتبر البرلمان البريطاني، المعروف بلقب “أم البرلمانات”، من أقدم البرلمانات في العالم، ويحظى باحترام كبير.

تأسس البرلمان في موقعه الحالي في قصر وستمنستر منذ عام 1265. في ذلك العام، ترأس سيمون دي مونتفورت أول برلمان منتخب في إنجلترا، حيث اجتمع الرجال في وستمنستر، التي كانت آنذاك قرية صغيرة خارج لندن في العصور الوسطى. وقد كان هؤلاء النواب، بحسب النظام الذي اعتمد، من النبلاء والبارونات الذين تم انتخابهم من قبل أقرانهم، وليس بالاقتراع الشعبي؛ ومع ذلك، كان يجب على كل نائب أن يمثل مقاطعة أو مدينة معينة في المملكة.

لم تكن فكرة “البرلمان” جديدة بالكامل؛ قبل الفتح النورماندي عام 1066، كان الحكم البريطاني يعتمد على مجلس يسمى “ويتان” أو “ويتيناجيموت”، الذي يتكون من نبلاء ورجال دين يساعدون الملك في اتخاذ القرارات. وكان لدى هذا المجلس دور في اختيار الملك وتقديم المشورة، ولكن دون سلطة حقيقية في الحكم. بعد الفتح النورماندي، اعتمد ويليام الفاتح وأحقياؤه على نظام البارونات والمجالس الإقليمية لإدارة البلاد، مما أسس لنظام الإقطاع في بريطانيا.

استمر البرلمان الإنجليزي في العمل بشكل منتظم إلى حد ما خلال الأربعة قرون التالية، حيث لعب دورًا مهمًا في موازنة سلطة الملك، واستمر ذلك حتى القرن السابع عشر. منذ القرن الرابع عشر، تم تقسيم البرلمان إلى مجلسين: مجلس اللوردات (المجلس الأعلى) ومجلس العموم (المجلس الأدنى). لكن في منتصف القرن السابع عشر، أدى الملك تشارلز الأول إلى اندلاع الحرب الأهلية الإنجليزية بسبب محاولته الحكم بدون برلمان. واندلعت الحرب بين القوات الملكية والبرلمانية بقيادة أوليفر كرومويل حتى انتهت بانتصار القوات البرلمانية، مما عزز موقع البرلمان الإنجليزي كقوة مركزية في إدارة البلاد.

في عام 1660، أعلن البرلمان استعادة النظام الملكي وأسس نظام الملكية البرلمانية. لكن سرعة وضع سلطة البرلمان على المحك، حيث أطاح البرلمان في عام 1688 بالملك جيمس الثاني ودعا الأمير الهولندي ويليام من أورانج لتولي العرش البريطاني. أكد نجاح “الثورة المجيدة” دور البرلمان الإنجليزي، والذي تم تأكيده دستوريًا العام التالي بتوقيع صك الحقوق، وهو أحد القوانين الدستورية الرئيسية في المملكة المتحدة. حدد هذا القانون بشكل رسمي دور البرلمان وحدود سلطات الملك.

ومع التوقيع على الدستور، بدأت مرحلة البرلمان الحديث مع ظهور نظام الأحزاب السياسية. وفي عام 1707، وبموجب قانون الاتحاد بين إنجلترا واسكتلندا، أصبح البرلمان الإنجليزي، الذي يجتمع في لندن، البرلمان البريطاني.

خلال القرن التاسع عشر، زادت قوة البرلمان بشكل كبير في يد مجلس العموم. على الرغم من أن معظم رؤساء الوزراء في بداية القرن السابع عشر كانوا من مجلس اللوردات، بحلول نهاية القرن، أصبحت الحكومة البريطانية تُقاد في الغالب من قبل رؤساء الوزراء المختارين من بين الأعضاء المنتخبين في مجلس العموم، مثل جلادستون ودزلائيلي.

كانت آخر حكومة يقودها أحد اللوردات هي حكومة ماركيز سالزبوري بين عامي 1898 و1902. ومنذ ذلك الحين، أصبح جميع رؤساء الوزراء يأتون من مجلس النواب. في عام 1911، أكد البرلمان رسميًا سيادة مجلس العموم. ومنذ ذلك الحين، لم يعد بإمكان اللوردات عرقلة مشاريع القوانين المقدمة من الحكومة في مجلس العموم، ولا حتى تأخير الإجراءات المتعلقة بالميزانية والضرائب. وتم تعديل قانون عام 1911 في عام 1949، ليكون آخر تعديل حتى الآن.

هيكل البرلمان البريطاني

يتكون البرلمان البريطاني من كيانين رئيسيين هما السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، وتتكون كل سلطة من جزئين ثابتين كما يلي:

السلطة التنفيذية

تتكون السلطة التنفيذية من عنصرين رئيسيين:

رئيس الدولة

بصفته ملكيًا في النظام البريطاني، فهو غير مسؤول سياسيًا أو جنائيًا، حيث أنه لا يتحمل المسؤولية السياسية بشكل عام، وذلك لأن سلطاته التنفيذية الحقيقية محدودة. يتوقف دوره في ممارسة السلطة على تقديم النصيحة والإرشاد لهيئات الدولة. يتم ممارستها من خلال الوزراء المعينين. ولرئيس الدولة الحق في تعيين رئيس الوزراء، الذي يكون اختياره محكومًا بنتائج الانتخابات. رغم دور رئيس الدولة، يظل هو الحكم النهائي بين سلطات الدولة.

الوزارة (الحكومة)

تشكل الوزارة من رئيس الحكومة، الذي يتم تعيينه من بين الأغلبية في البرلمان، ويقوم باختيار أعضاء حكومته. تمارس الحكومة مهام السلطة التنفيذية في النظام البرلماني وتُعتبر صاحبة السلطة الفعلية، مما يستوجب تحملها المسؤولية أمام البرلمان سواء كانت فردية أو نظامية. تتخذ القرارات في مجلس الوزراء بأغلبية الأصوات، ويحق لرئيس الدولة حضور اجتماعات الحكومة، لكن ليس له حق التصويت.

البرلمان: السلطة التشريعية

يتكون البرلمان البريطاني أو السلطة التشريعية من مجلسين ثابتين وهما:

مجلس اللوردات

يمثل مجلس اللوردات الطبقة الأرستقراطية في بريطانيا، ويتكون من نحو 1000 عضو، منهم 500 عضو بالوراثة، والباقون إما معينون من قبل الملك أو منتخبون من قبل زملائهم. كان من مهام هذا المجلس القيام بنفس مهام مجلس العموم، حيث كان يجب موافقة كلا المجلسين على مشاريع القوانين. لكن بعد إصدار قانوني 1911 و1944، تضاءلت مهام مجلس اللوردات وصارت اختصاصاته تقتصر على الاعتراض التوفيقي للقوانين.

مجلس العموم

يتكون مجلس العموم من 630 نائبًا يتم انتخابهم لمدة خمس سنوات، علمًا أن نظام الاقتراع العام لم يُطبق في بريطانيا إلا منذ عام 1918، وتعبير حق الانتخاب للنساء بدأ في عام 1928. ينتخب المجلس رئيسًا له بشكل مستقل عن الاعتبارات الحزبية، ويقوم بتقسيم العمل بين مجموعة من اللجان التقنية لمساعدته في مهامه. ويختص المجلس بالتشريع، اعتماد الميزانية، إقرار الضرائب، ومراقبة وتوجيه الحكومة.

Scroll to Top