الفروقات بين تحديد المشكلة العلمية والإشكالية الفلسفية من منظور المعرفة
تتباين طبيعة العلم عن طبيعة الفلسفة، فعلى الرغم من أن كليهما يمثلان نوعًا من المعرفة، إلا أن جوهر كل منهما وتوجهاته تختلف عن الأخرى. لذا، يمكننا تمييز المشكلة العلمية عن الإشكالية الفلسفية من خلال عدة جوانب، كما سوف نوضح أدناه:
الفرق بين المشكلة العلمية والإشكالية الفلسفية من حيث المعنى
- معنى المشكلة العلمية: يُعتبر العلم ليس مجرد معرفة فحسب، بل هو أسلوب للوصول إليها. يركز العلم على دراسة الظواهر الطبيعية، مما يطلق عليه مصطلح “العلم الطبيعي”. وعندما يتم تحديد ظاهرة معينة أو طرح سؤال أو فرضية علمية للدراسة، فإنه يُطلق عليها اسم “مشكلة علمية”. يتم تعريف المشكلة العلمية من خلال تحديد موضوع معين وتفصيل موضوع ثانوي يطرح سؤالًا يمكن الوصول إلى إجابة له من خلال التجارب والأدلة العلمية.
- معنى الإشكالية الفلسفية: أما الإشكالية الفلسفية، فهي تتعلق بمواضيع فلسفية متنوعة تشمل آراء وفرضيات متعددة. تضم هذه الإشكاليات العديد من جوانب المعرفة مثل فلسفة الأخلاق والأديان، وعندما يتم تناول موضوع متخصص فيها مع فرضية معينة، يُشار إليها بإسم “إشكالية فلسفية”.
الفرق بين المشكلة العلمية والإشكالية الفلسفية من حيث الهدف
- الهدف من المشكلة العلمية: يهدف تحديد المشكلة العلمية إلى الوصول إلى تفسير لظاهرة طبيعية أو لفهم طبيعتها. ولأن العلم الطبيعي يركز على دراسة الظواهر الطبيعية، فإن المشكلة العلمية توضح مأتى الظاهرة وأسبابها وكيفية حدوثها، بشكل عام، تهدف المشكلة العلمية إلى إدراك الظواهر الطبيعية بمختلف أنواعها.
- الهدف من الإشكالية الفلسفية: عند تناول الإشكالية الفلسفية، فيمكن أن تهدف إلى دراسة المعتقدات لفهمها أو لدعم فرضية معينة أو لتفنيدها. تشمل الإشكاليات الفلسفية جميع أبعاد الفلسفة، مع الاختلاف بين طبيعة كل منها، وبالتالي تختلف طرق الإثبات المتبعة بناءً على ذلك.
الفرق بين المشكلة العلمية والإشكالية الفلسفية من حيث الموضوع الذي يُدرس
- نوع الدراسة المتعلقة بالمشكلة العلمية: يركز العلم على دراسة الظواهر الطبيعية، التي تتوزع على خمسة مجالات: الفيزياء، الكيمياء، الأحياء، علم الفضاء، وعلم الأرض. ولذلك، تتعلق المشكلة العلمية بدراسة ظاهرة معينة بشكل متخصص ضمن أحد مجالات العلم الطبيعي الخمسة، وتقوم على تفسيرها بشكل علمي.
- نوع الدراسة المتعلقة بالإشكالية الفلسفية: في حين تركز الإشكالية الفلسفية على دراسة مجموعة متنوعة من جوانب المعرفة الفلسفية، بما في ذلك فلسفة المعرفة، المنطق، الأخلاق، الأديان، الاحتمالات، والضروريات، والميتافيزيقا.
الفرق بين تحديد المشكلة العلمية والإشكالية الفلسفية من حيث المنهجية
- منهجية المشكلة العلمية: تختلف المنهجيات المعتمدة في المعرفة العلمية والفلسفية، حيث تُعرّف المنهجية العلمية بأنها الاعتماد على الأسلوب التجريبي للحصول على المعرفة. ولهذا، يُطلق على العلم الطبيعي “العلم التجريبي”. وعليه، تتبع المشكلة العلمية منهجية تجريبية في حلها أو تفسيرها، مما يعني ضرورة اتباع الأسلوب التجريبي في البحث وجمع الأدلة. بعد تحديد المشكلة العلمية، يجب إنشاء فرضية لتفسيرها، ويجب اختبار هذه الفرضية لإثبات صحتها أو دحضها، ومن ثم التوصل إلى نتائج تعتمد على دقة التجربة وتحليل النتائج.
- منهجية الإشكالية الفلسفية: في الإشكالية الفلسفية، تتنوع المنهجيات المتبعة، إلا أنها ليست تجريبية بالضرورة. تُبنى هذه المنهجيات غالبًا على الحجج الفلسفية والأدلة المنطقية، حيث تبدأ الإشكالية الفلسفية بمقدمات يعتبرها الجميع ثابتة، ويمكن استنتاج النتائج منها من خلال التفكير المنطقي، مما يجعلها تفتقر للاعتماد على الاختبار أو التجريب.
الفرق بين المشكلة العلمية والإشكالية الفلسفية من حيث إمكانية الاختبار
- إمكانية اختبار المشكلة العلمية: عند وضع فرضية معينة كإجابة لمشكلة علمية، يمكن اختبار تلك الفرضية لإثبات صحتها. يعود سبب قابلية اختبار الفرضيات العلمية إلى تركيزها على الظواهر الطبيعية القابلة للتحقق منها بالتجربة. تعتمد صحة النتائج على دقة معايير التجربة وفاعلية الاختبار، مما يجعل المشكلة العلمية قابلة للاختبار بفضل المنهج التجريبي.
- إمكانية اختبار الإشكالية الفلسفية: في المقابل، لا تتميز المعرفة الفلسفية بالضرورة بالطابع التجريبي، مما يعني أنه لا يمكن اختبار جميع الفرضيات الفلسفية، ولكن يمكن دعمها أو دحضها بالحجج والأدلة المنطقية.
الفرق بين المشكلة العلمية والإشكالية الفلسفية من حيث صحة النتائج
- صحة النتائج عند اختبار المشكلة العلمية: تعتمد صحة النتائج المستخلصة من اختبار مشكلة أو فرضية علمية على مدى دقة معايير الاختبار. إذا كانت التجربة مرتبة بشكل دقيق وكانت العلاقات بين المتغيرات واضحة، وإذا تم تحليل النتائج بموضوعية، يمكن حينها القول بأن النتائج صحيحة ويمكن الوثوق في صحتها، على الرغم من أن هذا لا يعني أن النتائج حتمية.
- صحة النتائج عند اختبار الإشكالية الفلسفية: لا يمكن التحقق من نتائج الإشكاليات الفلسفية، نظرًا لعدم إمكانية اختبارها تجريبيًا. بالإضافة إلى ذلك، كل فرضية فلسفية تقابلها فرضية معاكسة قد تدحضها، مما يعني أن الإشكالية الفلسفية تتأثر بالعوامل الشخصية والدينية والسياسية، وهي عوامل قد تؤثر في دعم أو دحض فرضيات معينة، مما يجعل التحقق من صحة نتائجها أمرًا صعبًا.