دراسة شاملة عن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم

ولادة محمد -صلى الله عليه وسلم- ونشأته

وُلِدَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مكة المكرمة يوم الاثنين في الثاني من شهر ربيع الأول، ويُقال أيضًا في العاشر منه أو الثاني عشر، وكان ذلك في عام الفيل، أو بعده بسنوات. توفى والده وهو في بطن أمه، حيث يُعتقد أنه توفي بعد ولادته بأشهر أو بسنة أو بسنتين، لكن المشهور أنه توفي قبل ولادته.

عَقَّ عنه جده عبد المطلب حين وُلِدَ وسَمَّاه محمدًا. ونسب الرسول هو: أبو القاسم، محمد بن عبد الله، بن عبد المطلب، بن هاشم، بن عبد مناف، بن قصي، بن كلاب، بن مرة، بن كعب، بن لؤي، بن غالب، بن فهر، بن مالك، بن النضر، بن كنانة، بن خزيمة، بن مدركة، بن إلياس، بن مضر، بن نزار، بن معد، بن عدنان.

محمد الكريم مع مرضعته

كانت ثويبة، مولاة أبي لهب، هي أول مرضعة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم قامت السيدة حليمة السعدية بإرضاعه. جاءت السيدة حليمة مع رفقة تطلب الرضعاء من مكة طلبًا للمال، وكان أهل بني سعد، حيث تقيم حليمة، يعانون من قلة المال والطعام. أراد أهالي مكة إرسال أبنائهم للبادية لاكتساب الفصاحة وتقوية أجسادهم.

كون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتيمًا، لم تكن المرضعات يرغبن في أخذه، لكن حليمة لم تجد ولدًا آخر فقررت إرضاعه. وقد أعطت بركة عظيمة لمكان إقامته لديهم، حتى أن البركة نزلت عليهم أثناء الطريق.

كبَرَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ديار بني سعد بشكل أسرع بكثير من الأطفال في سنه، وظل هناك حتى بلغ خمس سنوات. وعندما حدثت له حادثة شق الصدر، خشيت حليمة عليه وأعادته إلى والدته.

الرسول محمد في بيت والدته

عاد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى منزل أمه، حيث كانت سعيدة جدًا بقدومه وفرحة بوجوده بخلافها. كانت ترعاه وتربيه، بمساعدة حاضنته أم أيمن. لاحظت آمنة بنت وهب، والدة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، القوة البدنية والذهنية لدى ولدها وتفوقه على أقرانه، وعليه قررت أن تأخذه في رحلة.

كانت الرحلة إلى ديار أهلها، بني عدي بن النجار، في المدينة، ليتعرف رسول الله على عمومته ومكان قبر والده. رافقتها أم أيمن في تلك الرحلة، ومكثت هناك شهرًا. وفي طريق العودة، توفيت آمنة في منطقة تُدعى “الأبواء” ودُفنت هناك، وعاد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتيمًا لكل من الأب والأم.

النبي الكريم في بيت جده

تولى عبد المطلب، جد رسول الله، رعايته بعد وفاة أمه. وكانت أم أيمن تُشاركه في تلك المهمة، حيث كان عبد المطلب مُحبًّا جدًا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويعامله معاملة خاصة، وذلك ليدركه من تفرّده وما سيوصل إليه لاحقًا. يُذكر أن لعبد المطلب مكانًا مخصصًا للجلوس في ظل الكعبة، حيث كان يجلس أبناءه بجواره لكن لا يجرؤ أحد على الاقتراب من فراشه.

وفي يومٍ من الأيام، وكان الرسول صغيرًا، جلس في مكان جده، فقام أعمامه بإبعاده، لكن عبد المطلب أنكر عليهم ذلك وأبقاه بجواره، حيث أظهر له محبة ورغبة لم يُظهرها لأبنائه. وعندما أحس عبد المطلب بقرب أجله، عهد برسول الله إلى ابنه أبي طالب، وتوفي عبد المطلب وعمر الرسول ثماني سنوات.

النبي الكريم في بيت عمه

انتقل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من كفالة جده إلى كفالة عمّه، أبو طالب، الذي كان فقير الحال لكنه كان أخًا لعبد الله، والد رسول الله، وكان هذا السبب وراء اختيار عبد المطلب له لرعاية الرسول. وقد أظهر أبو طالب لابن أخيه حبًا كبيرًا وتعاملاً حسنًا، وكان رسول الله يحب عمّه كثيرًا.

وقد كان أبو طالب لا يشعر بالراحة إلا وهو بالقرب من رسول الله، لذا كان ملازمًا له دائمًا، وينام بجواره ولا يأكل حتى يتواجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقد سافر معه في تجارته إلى الشام.

زواج النبي من خديجة

عندما كبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أراد أن يساعد عمّه، لذا عمل في التجارة وتجارته كانت مع السيدة خديجة بنت خويلد، التي كانت من سادات قريش ويمتلك التجارة. وعندما رأت في رسول الله الأخلاق الحميدة، رغبت فيه زوجًا، لأنها كانت قد سمعت من أحد اليهود أن نبيًا سيظهر في مكة وقد رأت ذلك في الرسول.

كانت السيدة خديجة في الأربعين من عمرها، سبق لها الزواج ولديها أبناء، وكانت قد رفضت الزواج بعد وفاة زوجها،ورغم تقدّم سادات قريش لخطبتهما إلا أنها كانت ترفضهم. لكن عندما رأت رسول الله، أرسلت له عبر بعض أقاربها بأنها إذا طلبها للزواج سوف توافق.

كان عمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حينذاك خمسة وعشرين عامًا، وقد قام عمّه أبو طالب بخطبتها من عمّها وتزوجها، وبهذا كانت خديجة أفضل زوجة للنبي -رضي الله عنها وأرضاها-.

ملخص: تُعد حياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غنية بالتحولات قبل البعثة، حيث انتقل بين عدة بيوت؛ من بيت حليمة السعدية إلى منزل والدته، ثم إلى منزل جده، ثم منزل عمه حتى استقر بعد زواجه من خديجة. وكانت هذه التجارب سببًا في تعزيز قدرته على الصبر والتحمل في سبيل دعوته.

بعثة الرسول الكريم

بُعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعمره أربعون عامًا، حين جاءه جبريل -عليه السلام- في غار حراء مُنزَلًا عليه سورة العلق، مما أحدث تأثيرًا كبيرًا في نفسه.

عاد إلى زوجته خديجة التي طمأنته وأشاحت من روعه، قائلة: “كلا والله لا يُخزيك الله أبدًا؛ إنك لتصل الرحم، وتحمل الكَل، وتُكسب المعدوم، وتقرئ الضيف، وتُعين على نوائب الحق”. وقد مرت دعوته بمراحل عديدة.

الدعوة السرية

بعد بدء الوحي بستة أشهر، أُمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالدعوة، حيث نزل عليه قوله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ* قُمْ فَأَنذِرْ}. بدأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بدعوة أصحابه، حيث كانت هذه المرحلة تعتمد على السرية؛ إذ قام الرسول بالدعوة إلى الأصول العقائدية بينما كان يتعبد في الشعاب بعيدًا عن عيون كفار مكة. واستمرت هذه المرحلة لمدة سنتين ونصف، حيث كانت دار الأرقم بمثابة مركز يجتمع فيه المسلمون في تلك الحقبة.

الدعوة العلنية

انتهت المرحلة السرية وبدأت الدعوة العلنية بعد نزول قوله -تعالى-: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}. صعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على جبل الصفا ونادى أهل مكة قائلاً: (أرَأَيْتُمْ إنْ أخْبَرْتُكُمْ أنّ خَيْلًا تَخْرُجُ من سَفْحِ هذا الجَبَلِ، أكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟ قالوا: ما جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا. قالَ: فإنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ). ثم قال أبو لهب: “تَبًّا لَكَ، ما جَمَعْتَنَا إلا لِهذا؟”، بعد ذلك نزلت: {تَبَّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ وتَبَّ}. كانت هذه المناداة بداية المرحلة العلنية.

موقف قريش من البعثة

عارضت قريش دعوة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتعرضْوا له ولأصحابه بالأذى. استخدموا العنف في البداية لإنهاء هذه الدعوة، ولما لم تنجح تلك الوسائل، حاولوا محاربة الدعوة بطرق أخرى، إذ كانوا يتشاورون فيما بينهم ليتخذوا سبلًا للاستهزاء بدعوة الرسول وما جاء به من الحق.

لكن ذلك الموقف لم يكن موحدًا بين كل القرشيين أو أهل مكة، فقد شهدت الساحة مواقف أخرى من قِبَل:

  • إسلام عدد من أهل مكة مثل عثمان بن عفّان، وعمر بن الخطاب، وحمزة بن عبد المطلب -رضي الله عنهم- وغيرهم.
  • دفاع أبو طالب عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ووقوفه بجانبه رغم عدم اعتناقه الإسلام.

الهجرة النبوية الشريفة

بعد ثلاث عشرة سنة من الدعوة في مكة، أُمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالهجرة إلى المدينة، حيث هاجر مع صاحبه أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-، وكان عمر رسول الله حينها 53 عامًا. تُعتبر الهجرة نقطة تحول هامة في التاريخ الإسلامي وبداية بناء الدولة الإسلامية.

بناء الرسول لدولة الإسلام

منذ بداية وصول رسول الله الكريم إلى المدينة، بدأ بتأسيس دعائم الدولة الإسلامية. ومن أبرز الأعمال التي قام بها رسول الله منذ البداية حتى وفاته:

  • بناء المسجد.
  • المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار.
  • إعداد الوثيقة التي تشرح علاقات المسلمين مع اليهود في المدينة.
  • إرسال الجيوش للغزوات والفتوحات، ومن أبرزها:
    • غزوة بدر.
    • غزوة أحد.
    • غزوة الخندق.
    • غزوة خيبر.
    • غزوة مؤتة.
    • فتح مكة.
    • غزوة تبوك.

وفاة النبي الكريم

توفي -صلى الله عليه وسلم- في الثالث عشر من ربيع الأول سنة 11 للهجرة، وكان عمره 63 سنة قمرية. مرض رسول الله قبل وفاته، وقام بتغسيله عدد من الصحابة منهم علي بن أبي طالب والعباس -رضي الله عنهما-، ودُفن في حجرة السيدة عائشة -رضي الله عنها-.

زوجات النبي محمد

تزوج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خمس عشرة امرأة ودخل بثلاث عشرة منهن. وفيما يلي أسماء زوجات النبي -عليه الصلاة والسلام-:

  • خديجة بنت خويلد.

تزوجها قبل البعثة ولم يتزوج عليها في حياتها.

  • سودة بنت زمعة.
  • عائشة بنت أبي بكر.

تزوجها في السنة الثانية للهجرة، ولم يتزوج بكرًا غيرها.

  • حفصة بنت عمر بن الخطاب.

تزوجها في السنة الثالثة للهجرة.

  • زينب بنت خزيمة بن الحارث الهلالية.

تلقب بـ “أم المساكين”، وتزوجها في السنة الثالثة للهجرة.

  • زينب بنت جحش.

وهي ابنة عمته وتزوجها في السنة الخامسة للهجرة.

  • أم حبيبة.

وهي رملة بنت أبي سفيان، وتزوجها في السنة السادسة للهجرة.

  • أم سلمة.

وهي هند بنت أبي أمية بن المغيرة المخزومية، وتزوجها في السنة الرابعة للهجرة.

  • ميمونة بنت الحارث.

تزوجها في السنة السابعة للهجرة.

  • صفية بنت حُيي بن أخطب.

وكان والدها أحد سادات اليهود، وسُبيت يوم خيبر، وتزوجها رسول الله في السنة السابعة للهجرة.

  • جويرية بنت الحارث.

تزوجها في السنة الخامسة للهجرة.

أبناء الرسول

وُلد لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاثة أبناء ذكور وأربع بنات، وكان جميعهم من السيدة خديجة ما عدا إبراهيم، فوالدته هي ماريا القبطية. وفيما يلي أسماء أبناء الرسول:

  • القاسم.
  • عبد الله، ويُلقب بالطاهر والطيّب.
  • إبراهيم.
  • زينب.
  • رقية، وتُلقب بذات الهجرتين.
  • أم كلثوم.
  • فاطمة، وتُلقب بالزهراء والبتول.

ملخص: إن محمد بن عبد الله هو رسول الإسلام بُعث لهداية البشر جميعًا نحو الحق والرشاد. بذل الغالي والنفيس في سبيل دعوته، ولم يدخر جهدًا في تعليم أصحابه وأمته من بعده مبادئ الدين الإسلامي، لذا يتمتع اسم رسول الله بمكانة عظيمة في قلوب المسلمين، وكان له -صلى الله عليه وسلم- أثر بالغ في انتشال الشعوب من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان.

Scroll to Top