دراسة حول سورة الفاتحة في القرآن الكريم

تاريخ نزول سورة الفاتحة وعدد آياتها

تعتبر سورة الفاتحة من السور المكية، وقد نزلت في مكة المكرمة استنادًا إلى ما ورد في سورة الحجر: (وَلَقَد آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ)، والمقصود بـ “السبع المثاني” هو سورة الفاتحة. وقد اتفق المفسرون على أنها مكية. تتكون سورة الفاتحة من سبع آيات، ولكن هناك مجموعة من العلماء والمفسرين الذين يعتبرون البسملة ليست من آيات السورة، ويعتبرون أن قوله -تعالى-: (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) يمثل آيتين منفصلتين، حيث تنتهي الآية الأولى عند كلمة “عليهم” وتبدأ الثانية عند كلمة “غير”. بناءً عليه، تعتبر السورة سبع آيات دون احتساب البسملة. وقد أشار العديد من العلماء إلى أن سورة الفاتحة تعد من أوائل السور التي نزلت من القرآن الكريم عندما فُرضت الصلاة، وذكرت بعض الروايات أنها نزلت مرة أخرى في المدينة المنورة عند تحويل القبلة.

تباينت آراء الفقهاء والمفسرين حول البسملة إلى رأيين:

  • الرأي الأول: يرى أهل هذا الرأي أن البسملة آية من سورة الفاتحة، وقد أيده عدد من الصحابة مثل ابن عباس، ابن عمر، وأبو هريرة، بالإضافة إلى الإمام الشافعي، وهو رأي أيضًا للإمام أحمد -رحمهم الله-.
  • الرأي الثاني: يعتبر أن البسملة ليست آية من الفاتحة، بل هي آية مستقلة نزلت للفصل بين سور القرآن الكريم.

سبب تسميتها بالفاتحة وأسماؤها الأخرى

سُميت سورة الفاتحة بهذا الاسم منذ عهد النبي -صلّى الله عليه وسلّم-، حيث تعد فاتحة الكتاب الذي ابتدأ به الله -تعالى- القرآن الكريم لفظًا وكتابة. وتستخدم الفاتحة لافتتاح الصلاة، وقد قيل إنها أول سورة نزلت كاملة من السماء. وتوجد أسماء أخرى تُطلق على سورة الفاتحة مثل:

  • سورة الحمد، نظرًا لما تحتويه من ثناء وحمد لله -تعالى-.
  • أمّ القرآن، كونها تُعدُّ أصل القرآن الكريم وتعتبر من أفضل السور، في حين أنها تتضمن الأسس الأساسية للعقيدة. وبتطبيق أحكامها، يصل العبد إلى الصراط المستقيم، وقد قال النبي -صلّى الله عليه وسلّم-: (أُمُّ القُرْآنِ هي السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ).
  • السّبع المثاني، لأنها تحتوي على سبع آيات.
  • الشّافية، لما فيها من شفاء وعلاج.
  • الصلاة، حيث ذكر أبو هريرة -رضيَ الله عنه- أن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (مَن صَلَّى صَلاةً لَمْ يَقْرَأْ فيها بأُمِّ القُرْآنِ فَهي خِداجٌ ثَلاثًا غَيْرُ تَمامٍ).
  • فاتحة الكتاب، استنادًا لما قاله النبي -عليه الصّلاة والسّلام-: (لا صَلَاةَ لِمَن لَمْ يَقْرَأْ بفَاتِحَةِ الكِتَابِ).
  • الحمد لله رب العالمين، كما ذكر النبي -عليه الصّلاة والسّلام-: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ هي السَّبْعُ الْمَثَانِي).

فضل سورة الفاتحة

يمكن تلخيص فضل سورة الفاتحة بالنقاط التالية:

  • تتميز سورة الفاتحة بكونها فرضية في الصلاة، حيث لا تصح صلاة العبد إلا بتلاوتها، فهي ركن أساسي، كما ذكر الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-: (لا صَلَاةَ لِمَن لَمْ يَقْرَأْ بفَاتِحَةِ الكِتَابِ).
  • تُعتبر سورة الفاتحة من أعظم سور القرآن الكريم، فقد روي عن أبي سعيد بن المعلى -رضي الله عنه-: (كُنْتُ أُصَلّي في المَسجد، فَدَعاني رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، فَلَمْ أُجِبْه، فَقُلتُ: يا رسول الله، إنّي كُنْتُ أُصَلّي، فقال: ألم يَقُلِ اللهُ: (اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ)، ثم قال: لأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هي أعظمُ السور في القرآن قبل أن تَخرج من المسجد. ثم أخذ بيدي، فلما أراد أن يخرج، قلت له: ألم تقل: لأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هي أعظمُ سورةٍ في القرآن؟ قال: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) هي السبع المثاني، والقرآن العظيم الذي أُوتِيتُه).
  • تشمل سورة الفاتحة مواضيع متنوعة، إذ تبدأ بالحمد لله والثناء عليه، وتتناول توحيد الله وأحقية العبادة له، إلى جانب تبيان مصير الناس بناءً على أفعالهم.
  • تُعتبر سورة الفاتحة من الرقية الشرعية، حيث تم ذكر قصص عن شفاء بفضل تلاوتها على المرضى.
  • تتميز بسُرُرٍ من النور التي بشّر بها النبي -صلّى الله عليه وسلّم- من خلال الزيارة الوحي.

معاني آيات سورة الفاتحة

بسم الله الرحمن الرحيم

بدأت السورة بحرف الجر “الباء” ليدل على الابتداء. “بسم الله” تعني الطلب منه والتوكل عليه -سبحانه وتعالى- طلبًا للعون والقبول.

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

تعني عبارة “الحمد لله” أن الله -تعالى- هو الأحق بالحمد والثناء، وذلك لكمال صفاته وجماله.

الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

تشتمل هاتان الاسمان على معنى الرحمة، حيث “الرحمن” تعني الرحمة العامة، بينما “الرحيم” تخاطب المؤمنين بشكل خاص في الآخرة.

مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ

في هذه الآية تعني “يوم الدين” يوم القيامة، حيث يختص الله -تعالى- بالإشارة إليه لتجليه كمالك الْيَوْم.

إياك نعبد وإياك نستعين

تظهر هذه الآية بوضوح أن الله هو الوحيد المستحق للعبادة والاستعانة، مما يدل على توحيده.

اهدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ

يدعو العبد الله -تعالى- أن يهديه إلى الطريق المستقيم، مستعيناً بالفتحة في كل فرض صلاة.

صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ

توضّح الآية الفئة التي ستُرشَد للصراط المستقيم من المؤمنين، بالمقارنة مع المغضوب عليهم والضالين. وقد تم ذكر وجهات نظر متعددة حول من ينطبق عليهم ذلك.

Scroll to Top