إن تفسير الآية: “لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا” يعكس عبرة هامة لكل مسلم، حيث توضح هذه الآية سلوك أكثر الأشخاص عداءً للمسلمين ومؤمني الله ورسوله. كما أن سبب نزول هذه الآية يحمل دلالة عميقة تدعو المسلمين للثبات على الحق مهما كانت التحديات.
تأتي هذه الآية ضمن آيات سورة المائدة، وسنستعرض التفاصيل المتعلقة بهذا الموضوع في الفقرات التالية.
تفسير الآية: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً
(لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ).
هذه الآية هي رقم 82 في سورة المائدة، والتي تعد سورة مدنية تتكون من 120 آية، وهي واحدة من آخر السور التي نزلت على النبي محمد صلى الله عليه وسلم. التعليق على هذه الآية يتجسد في:
الله سبحانه وتعالى يخاطب النبي، مقدماً له الرؤية بأن من هم الأكثر عداءً للذين آمنوا هم اليهود، حيث يُعرف هؤلاء بعنادهم وإنكار الحق، كما أنهم يرتكبون الشرك مع الله.
في المقابل، نجد أن أقرب الناس مودةً للمسلمين هم النصارى، وذلك لأن بينهم علماء وعباد، تواضعوا ولم يستكبروا على الحق. هؤلاء هم الذين آمنوا برسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
سبب نزول الآية: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً
بعد أن استعرضنا تفسير الآية، سننظر إلى سبب نزولها، وهو:
نزلت هذه الآية في سياق الأحداث المتعلقة بملك الحبشة، النجاشي، الذي استضاف صحابة النبي محمد صلى الله عليه وسلم لحمايتهم من مضايقات قريش.
عندما هاجر النبي إلى المدينة، لم يكن بمقدور الصحابة اللحاق به، وعندما حدثت غزوة بدر ووقع القتال مع قريش، حاولت قريش الانتقام من المسلمين في الحبشة.
قاموا بإرسال هدايا للنجاشي يتوسلون بها أن يسلمهم المسلمين ليواجهوهم بالقتل. لكنه دعا جعفر بن أبي طالب واستمع إلى تلاوة سورة مريم بحضور الرهبان والقسيسين، مما أثار عواطفهم، مما أدى إلى نزول الآية “لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً”.
آية لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً في سورة المائدة
سبب تسمية سورة المائدة
حظيت سورة المائدة بعدة تسميات لأكثر من سبب، ومن تلك الأسباب:
- سُميت السورة بالمائدة نظرًا لاحتوائها على قصة المائدة التي طلبها الحواريون من سيدنا عيسى عليه السلام لإيمانه بهم.
- تُعرف أيضًا بسورة العقود، نظرًا لورود لفظ العقود في بدايتها.
- كما تُسمى بسورة المنقذة لأنها تنقذ صاحبها من عذاب الملائكة.
- أخيرًا سُميت بسورة الأخيار، لأنها تدعو للوفاء بالعهد وهو أحد صفات الأتقياء.
موضوعات سورة المائدة
تناقش سورة المائدة مجموعة من المعاني المهمة، ومن بين هذه الموضوعات:
- تناولت السورة العديد من الأحكام الشرعية، سواء في مجالات الصيد أو الذبائح أو العقود، كما أمرت بالاستقامة والعدل.
- حثت آيات السورة على اتباع نور القرآن الكريم، مع ذكر أهل الكتاب وميثاق الله الذي ناقضوه.
- كما تناولت قصة قابيل وهابيل، حيث خالف قابيل أوامر الله وقتل نفسًا بريئة، مع توضيح أن باب التوبة مفتوح للجميع وبيان عقاب الضالين.
- لفتت الانتباه إلى حسد اليهود والمنافقين تجاه النبي، الذي جعلهم يدبرون له ومكرهم، لكن الله عصم النبي من تخطيطهم.
- تضمنت السورة مجموعة من الأحكام الشرعية مثل عقوبة الصيد في الإحرام وتحريم الخمر والميسر.
- دعت الآيات إلى تقوى الله وأهمية كتابة الوصية عند اقتراب الأجل.
خصائص سورة المائدة
تتمتع سورة المائدة بعدد من الخصائص المميزة، وهي:
- تعد من السور الأكثر استعراضًا لآيات الأحكام.
- تبدأ آياتها بنداء للمؤمنين، وهي واحدة من ثلاث سور فقط بدأت بهذه الكيفية.
- تعتبر السورة الأخيرة التي نزلت تحديدًا بالأحكام الشرعية.
- تتميز بمواجهة قوية مع أهل الكتاب، حيث تعد من أكثر السور التي خصصت للحديث عن النصارى واليهود.
- وأكدت على أن التشريع هو حق من حقوق الله، واختتمت بثلاث آيات تحذر من الحكم بغير ما أنزل الله.