استكشاف نظرية الكم وأسسها العلمية

ما هي نظرية الكم؟

نظرية الكم، والمعروفة أيضًا بميكانيكا الكم، تُعد أحد الأركان الأساسية للفيزياء الحديثة. تركز هذه النظرية على دراسة سلوك المادة والضوء على المستويات الذرية ودون الذرية، حيث تُقاس الأبعاد بالنانومترات، علمًا أن النانومتر هو جزء من المتر يُعادل 1×10-9 متر. تسعى ميكانيكا الكم إلى تفسير سلوك الذرة ومكوناتها الأساسية مثل البروتونات والنيوترونات والإلكترونات، إضافة إلى المكونات الدقيقة مثل الكواركات (Quarks) سواء بشكل جماعي أو فردي.

في الميكانيكا الكلاسيكية، نهدف إلى وصف الأجسام التي يمكننا رصدها والتعامل معها في حياتنا اليومية، وهو الأمر الذي يمكن إنجازه بسهولة. بينما يُعتبر هذا الوضع مختلفًا تمامًا في ميكانيكا الكم. عند تحليل أي نظام كلاسيكي، نقوم أولًا بتحديد مكانه وزخمه الابتدائيين، ثم نقيس القوى المؤثرة عليه، مما يمكننا من التنبؤ بسلوك هذا النظام في المستقبل أو حتى الماضي. ومع ذلك، تكمن الفروق الأساسية في ميكانيكا الكم، حيث لا يمكن التنبؤ بسلوك الأنظمة الذرية أو دون الذرية بدقة في المستقبل أو الماضي، نتيجة لاستحالة تحديد الحالة الابتدائية لأي نظام بدقة، إذ يتعذر تحديد الموقع والزخم في الوقت نفسه. على سبيل المثال، عند محاولة تحديد موقع جسيم بدقة، يصبح من المستحيل تحديد زخمه، مما لا يسمح لنا بتوقع موقعه في المستقبل!

ضرورة ميكانيكا الكم وحدود الميكانيكا الكلاسيكية

تعتمد الفيزياء بشكل أساسي على التجربة، ويجب أن تتوافق أي نظرية مع النتائج التجريبية بشكل كامل لكي يتم الاعتراف بها. في نهاية القرن التاسع عشر، أظهرت بعض التجارب المتعلقة بسلوك الذرات والجزيئات نتائج لا تتماشى تمامًا مع التفسيرات الكلاسيكية لهذه الظواهر، مما أدى إلى ضرورة إعادة التفكير في المبادئ الفيزيائية الأساسية وظهور ميكانيكا الكم.

برزت ضرورة نظرية الكم نتيجة لعجز الفيزياء الكلاسيكية عن تفسير بعض الظواهر، مثل إشعاع الجسم الأسود، والظاهرة الكهروضوئية، وتأثير كومبتون، بالإضافة إلى خطوط الانبعاث لذرة الهيدروجين. هذه الحاجة للتفسير كانت الدافع وراء ظهور ميكانيكا الكم، والتي بدورها أسست لتفسيرات جديدة لظواهر أخرى معقدة لم نكن لنكتشفها لولا تطور هذه النظرية.

إشعاع الجسم الأسود

أي جسم موجود في الطبيعة يشع الأمواج الكهرومغناطيسية بأطوال موجية متنوعة، ويدعى الجسم الذي يعيد إشعاع جميع الأشعة الساقطة عليه بـ “الجسم الأسود”. يظهر منحنى إشعاع الجسم الأسود أن بعض الأطوال الموجية لهذا الجسم تمتلك طاقة أعلى من غيرها، وتعتمد شدة هذا الإشعاع فقط على درجة حرارة الجسم الأسود.

تفسير الفيزياء الكلاسيكية لهذه الظاهرة يتطلب النظر إلى الطيف الكهرومغناطيسي الناتج عن اهتزاز الشحنات الكهربائية. فعند تسخين الجسم الأسود، تهتز الإلكترونات المشحونة فيه، مما يؤدي إلى إصدار طيف كهرومغناطيسي. على الرغم من نجاح هذا التفسير إلى حد ما، إلا أنه لم يستطع تفسير شكل منحنى الجسم الأسود بشكل دقيق. وبعد محاولات فاشلة لعدة علماء، جاء ماكس بلانك ليضفي تفسيرًا جديدًا، حيث افترض أن الطاقة تأتي في حزم متقطعة تتناسب مع تردد الاهتزازات، مُطلقًا على هذه الحزم اسم “كمّات” (Quanta).

تأثير كومبتون

يظهر تأثير كومبتون، الذي يثبت أن الضوء يمكن اعتباره جسيمًا يُعرف بالفوتون (Photon)، من خلال تجربة معينة. يتعارض هذا الأمر مع التفسير الكلاسيكي الذي يعتبر الضوء موجة فقط، ويتجاهل إمكانية معاملته كجسيم، حيث لا يمكن تفسير هذه الظاهرة إلا بالاستناد إلى خاصية الزخم.

عند إطلاق شعاع ضوئي على إلكترون ساكن، يتشتت الضوء عن الإلكترون الذي يكتسب زخماً ويبدأ في الحركة. ووفقًا لقانون حفظ الزخم، يجب أن يكون الزخم قبل التصادم مساوياً للزخم بعد التصادم. وهذا يعني أن ما حدث هو تصادم، مما يعزز حجة أن الضوء يُعالج كجسيم؛ حيث اكتسب الإلكترون زخمًا خطيًا عند تفاعله مع الفوتون.

أفكار أساسية في ميكانيكا الكم

هناك العديد من الأفكار الأساسية في ميكانيكا الكم التي تدعم هذا المجال العلمي الهام، وأبرزها:

  • تأتي الطاقة في شكل حزم منفصلة تُعرف بالكمّات، ولا يمكن أن تكون متصلة.
  • لا يسري مبدأ الميكانيكا الكلاسيكية على الظواهر الطبيعية على المستوى الذري، حيث تفشل في تفسيرها.
  • مبدأ عدم التحديد، والذي ينص على أنه لا يمكن تحديد موقع الجسيم وزخمه بدقة عالية في الوقت نفسه، كما ينطبق على الطاقة والزمن، حيث يستحيل تحديد طاقة النظام بدقة وكذلك مدة احتفاظه بهذه الطاقة.
Scroll to Top