المحسنات البديعية المستخدمة في قصيدة فتح عمورية

المحسنات البديعية في قصيدة فتح عمورية

تحتوي قصيدة فتح عمورية على مجموعة من المحسنات البديعية، والتي يمكن تلخيصها كما يلي:

الطباق

الطباق هو الجمع بين عنصرين مع تمييز الفروق بينهما، مما يعني أن هذه التراكيب اللغوية تشمل الأضداد لتحقيق بيان المعنى. وقد تجلى الطباق في القصيدة من خلال مفردات مثل (الجد واللعب) و(بيض وسود) و(الليل والضحى).

المقابلة

تُعَرَّف المقابلة بأنها عرض الشاعر أو الكاتب لمعنيين أو أكثر، ثم تقديم مقابل لهما بإيجاد معنى يتماثل مع المعنى الأول. وقد استخدم هذا الأسلوب في قصيدة فتح عمورية من خلال التعبيرات (بيض الصفائح لا سود الصحائف) و(نظم من الشعر أو نثر من الخطب).

الجناس التام

الجناس التام يشير إلى تطابق اللفظين من حيث عدد الحروف ونوعها وترتيبها. وقد وُجد هذا الأسلوب في القصيدة في كلمتي (حده والحّد)، حيث يتشابه اللفظان مع اختلاف المعنى، مما يسهم في لفت انتباه المستمعين وتوضيح المعنى بشكل أكبر.

الجناس الناقص

الجناس الناقص هو وجود لفظين متشابهين مع وجود بعض الاختلاف برمز أو أكثر. وقد ظهر هذا النوع من الجناس في القصيدة من خلال (الصحائف والصفائح)، (الحد والجد)، (فتح والفتوح) و(فتح وتفتح) و(مرتقب ومرتغب).

التصريع

التصريع هو توافق صوتي بين التفعيلة الأخيرة في الشطر الأول والتفعيلة الأخيرة في الشطر الثاني، حيث يتطابق الحرف الأخير في كل من الكلمتين. وقد بينت قصيدة فتح عمورية هذا الأسلوب في البيت الأول الذي تضمن الكلمات (الكتب واللعب)، حيث كان الحرف الأخير من الشطرين متطابقاً.

حسن التقسيم

حسن التقسيم هو أسلوب بديعي يهدف إلى تنظيم المعنى في أربعة أقسام، مما يساعد على التوازن والتناغم في النص. في قصيدة فتح عمورية، يتجلى هذا الأسلوب في البيت الحادي عشر من خلال العبارة (تَدبيرُ مُعتَصِمٍ بِاللَّهِ مُنتَقِم، لِلَّهِ مُرتَقِبٍ في اللّهِ مُرتغِبِ).

التعريف بقصيدة فتح عمورية

قصيدة فتح عمورية هي من تأليف الشاعر العباسي أبو تمام، حبيب بن أوس الطائي. وقد كتبت القصيدة في مدح الخليفة المعتصم بالله الذي حقق فتح عمورية. تضم القصيدة واحداً وسبعين بيتاً موزونة على البحر البسيط، بقافية تبدأ بحرف الباء. وينطلق هذا العمل الفريد من صدى التاريخ ويتناول تفاصيل المعركة كما يلي:

السَيفُ أَصدَقُ أَنباءً مِنَ الكُتُبِ

في حَدِّهِ الحَدُّ بَينَ الجِدِّ وَاللَعِبِ

بيضُ الصَفائِحِ لا سودُ الصَحائِفِ في

مُتونِهِنَّ جَلاءُ الشَكِّ وَالرِيَبِ

وَالعِلمُ في شُهُبِ الأَرماحِ لامِعَةً

بَينَ الخَميسَينِ لا في السَبعَةِ الشُهُبِ

أَينَ الرِوايَةُ بَل أَينَ النُجومُ وَما

صاغوهُ مِن زُخرُفٍ فيها وَمِن كَذِبِ

تَخَرُّصاً وَأَحاديثاً مُلَفَّقَةً

لَيسَت بِنَبعٍ إِذا عُدَّت وَلا غَرَبِ

عَجائِباً زَعَموا الأَيّامَ مُجفِلَةً

عَنهُنَّ في صَفَرِ الأَصفارِ أَو رَجَبِ

وَخَوَّفوا الناسَ مِن دَهياءَ مُظلِمَةٍ

إِذا بَدا الكَوكَبُ الغَربِيُّ ذو الذَنَبِ

وَصَيَّروا الأَبرُجَ العُليا مُرَتَّبَةً

ما كانَ مُنقَلِباً أَو غَيرَ مُنقَلِبِ

يَقضونَ بِالأَمرِ عَنها وَهيَ غافِلَةٌ

ما دارَ في فُلُكٍ مِنها وَفي قُطُبِ

لَو بَيَّنَت قَطُّ أَمراً قَبلَ مَوقِعِهِ

لَم تُخفِ ما حَلَّ بِالأَوثانِ وَالصُلُبِ

فَتحُ الفُتوحِ تَعالى أَن يُحيطَ بِهِ

نَظمٌ مِنَ الشِعرِ أَو نَثرٌ مِنَ الخُطَبِ

فَتحٌ تَفَتَّحُ أَبوابُ السَماءِ لَهُ

وَتَبرُزُ الأَرضُ في أَثوابِها القُشُبِ

يا يَومَ وَقعَةِ عَمّورِيَّةَ اِنصَرَفَت

مِنكَ المُنى حُفَّلاً مَعسولَةَ الحَلَبِ

أَبقَيتَ جَدَّ بَني الإِسلامِ في صَعَدٍ

وَالمُشرِكينَ وَدارَ الشِركِ في صَبَبِ

أُمٌّ لَهُم لَو رَجَوا أَن تُفتَدى جَعَلوا

فِداءَها كُلَّ أُمٍّ مِنهُمُ وَأَبِ

وَبَرزَةِ الوَجهِ قَد أَعيَت رِياضَتُها

كِسرى وَصَدَّت صُدوداً عَن أَبي كَرِبِ

بِكُرٍ فَما اِفتَرَعتَها كَفُّ حادِثَةٍ

وَلا تَرَقَّت إِلَيها هِمَّةُ النُوَبِ

مِن عَهدِ إِسكَندَرٍ أَو قَبلَ ذَلِكَ قَد

شابَت نَواصي اللَيالي وَهيَ لَم تَشِبِ

حَتّى إِذا مَخَّضَ اللَهُ السِنينَ لَها

مَخضَ البَخيلَةِ كانَت زُبدَةَ الحِقَبِ

أَتَتهُمُ الكُربَةُ السَوداءُ سادِرَةً

مِنها وَكانَ اِسمُها فَرّاجَةَ الكُرَبِ

جَرى لَها الفَألُ بَرحاً يَومَ أَنقَرَةٍ

إِذ غودِرَت وَحشَةَ الساحاتِ وَالرُحَبِ

لَمّا رَأَت أُختَها بِالأَمسِ قَد خَرِبَت

كانَ الخَرابُ لَها أَعدى مِنَ الجَرَبِ

كَم بَينَ حيطانِها مِن فارِسٍ بَطَلٍ

قاني الذَوائِبِ مِن آني دَمٍ سَرَبِ

بِسُنَّةِ السَيفِ وَالخَطِيِّ مِن دَمِهِ

لا سُنَّةِ الدينِ وَالإِسلامِ مُختَضِبِ

لَقَد تَرَكتَ أَميرَ المُؤمِنينَ بِها

لِلنارِ يَوماً ذَليلَ الصَخرِ وَالخَشَبِ

غادَرتَ فيها بَهيمَ اللَيلِ وَهوَ ضُحىً

يَشُلُّهُ وَسطَها صُبحٌ مِنَ اللَهَبِ

حَتّى كَأَنَّ جَلابيبَ الدُجى رَغِبَت

عَن لَونِها وَكَأَنَّ الشَمسَ لَم تَغِبِ

ضَوءٌ مِنَ النارِ وَالظَلماءِ عاكِفَةٌ

وَظُلمَةٌ مِن دُخانٍ في ضُحىً شَحِبِ

فَالشَمسُ طالِعَةٌ مِن ذا وَقَد أَفَلَت

وَالشَمسُ واجِبَةٌ مِن ذا وَلَم تَجِبِ

تَصَرَّحَ الدَهرُ تَصريحَ الغَمامِ لَها

عَن يَومِ هَيجاءَ مِنها طاهِرٍ جُنُبِ

لَم تَطلُعِ الشَمسُ فيهِ يَومَ ذاكَ عَلى

بانٍ بِأَهلٍ وَلَم تَغرُب عَلى عَزَبِ

ما رَبعُ مَيَّةَ مَعموراً يُطيفُ بِهِ

غَيلانُ أَبهى رُبىً مِن رَبعِها الخَرِبِ

وَلا الخُدودُ وَقَد أُدمينَ مِن خَجَلٍ

أَشهى إِلى ناظِري مِن خَدِّها التَرِبِ

سَماجَةً غَنِيَت مِنّا العُيونُ بِها

عَن كُلِّ حُسنٍ بَدا أَو مَنظَرٍ عَجَبِ

وَحُسنُ مُنقَلَبٍ تَبقى عَواقِبُهُ

جاءَت بَشاشَتُهُ مِن سوءِ مُنقَلَبِ

لَو يَعلَمُ الكُفرُ كَم مِن أَعصُرٍ كَمَنَت

لَهُ العَواقِبُ بَينَ السُمرِ وَالقُضُبِ

تَدبيرُ مُعتَصِمٍ بِاللَهِ مُنتَقِمٍ

لِلَّهِ مُرتَقِبٍ في اللَهِ مُرتَغِبِ

وَمُطعَمِ النَصرِ لَم تَكهَم أَسِنَّتُهُ

يَوماً وَلا حُجِبَت عَن رَوحِ مُحتَجِبِ

لَم يَغزُ قَوماً وَلَم يَنهَض إِلى بَلَدٍ

إِلّا تَقَدَّمَهُ جَيشٌ مِنَ الرَعَبِ

لَو لَم يَقُد جَحفَلاً يَومَ الوَغى لَغَدا

مِن نَفسِهِ وَحدَها في جَحفَلٍ لَجِبِ

رَمى بِكَ اللَهُ بُرجَيها فَهَدَّمَها

وَلَو رَمى بِكَ غَيرُ اللَهِ لَم يُصِبِ

مِن بَعدِ ما أَشَّبوها واثِقينَ بِها

وَاللَهُ مِفتاحُ بابِ المَعقِلِ الأَشِبِ

وَقالَ ذو أَمرِهِم لا مَرتَعٌ صَدَدٌ

لِلسارِحينَ وَلَيسَ الوِردُ مِن كَثَبِ

أَمانِياً سَلَبَتهُم نُجحَ هاجِسِها

ظُبى السُيوفِ وَأَطرافُ القَنا السُلُبِ

إِنَّ الحِمامَينِ مِن بيضٍ وَمِن سُمُرٍ

دَلوا الحَياتَينِ مِن ماءٍ وَمِن عُشُبِ

لَبَّيتَ صَوتاً زِبَطرِيّاً هَرَقتَ لَهُ

كَأسَ الكَرى وَرُضابَ الخُرَّدِ العُرُبِ

عَداكَ حَرُّ الثُغورِ المُستَضامَةِ عَن

بَردِ الثُغورِ وَعَن سَلسالِها الحَصِبِ

أَجَبتَهُ مُعلِناً بِالسَيفِ مُنصَلِتاً

وَلَو أَجَبتَ بِغَيرِ السَيفِ لَم تُجِبِ

حَتّى تَرَكتَ عَمودَ الشِركِ مُنعَفِراً

وَلَم تُعَرِّج عَلى الأَوتادِ وَالطُنُبِ

لَمّا رَأى الحَربَ رَأيَ العَينِ توفِلِسٌ

وَالحَربُ مُشتَقَّةُ المَعنى مِنَ الحَرَبِ

غَدا يُصَرِّفُ بِالأَموالِ جِريَتَها

فَعَزَّهُ البَحرُ ذو التَيّارِ وَالحَدَبِ

هَيهاتَ زُعزِعَتِ الأَرضُ الوَقورُ بِهِ

عَن غَزوِ مُحتَسِبٍ لا غَزوِ مُكتَسِبِ

لَم يُنفِقِ الذَهَبَ المُربي بِكَثرَتِهِ

عَلى الحَصى وَبِهِ فَقرٌ إِلى الذَهَبِ

إِنَّ الأُسودَ أُسودَ الغيلِ هِمَّتُها

يَومَ الكَريهَةِ في المَسلوبِ لا السَلَبِ

وَلّى وَقَد أَلجَمَ الخَطِّيُّ مَنطِقَهُ

Bِسَكتَةٍ تَحتَها الأَحشاءُ في صَخَبِ

أَحذى قَرابينُهُ صَرفَ الرَدى وَمَضى

يَحتَثُّ أَنجى مَطاياهُ مِنَ الهَرَبِ

مُوَكِّلاً بِيَفاعِ الأَرضِ يُشرِفُهُ

مِن خِفَّةِ الخَوفِ لا مِن خِفَّةِ الطَرَبِ

إِن يَعدُ مِن حَرِّها عَدوَ الظَليمِ فَقَد

أَوسَعتَ جاحِمَها مِن كَثرَةِ الحَطَبِ

تِسعونَ أَلفاً كَآسادِ الشَرى نَضِجَت

جُلودُهُم قَبلَ نُضجِ التينِ وَالعِنَبِ

يا رُبَّ حَوباءَ حينَ اِجتُثَّ دابِرُهُم

طابَت وَلَو ضُمِّخَت بِالمِسكِ لَم تَطِبِ

وَمُغضَبٍ رَجَعَت بيضُ السُيوفِ بِهِ

حَيَّ الرِضا مِن رَداهُم مَيِّتَ الغَضَبِ

وَالحَربُ قائِمَةٌ في مَأزِقٍ لَجِجٍ

تَجثو القِيامُ بِهِ صُغراً عَلى الرُكَبِ

كَم نيلَ تَحتَ سَناها مِن سَنا قَمَرٍ

وَتَحتَ عارِضِها مِن عارِضٍ شَنِبِ

كَم كانَ في قَطعِ أَسبابِ الرِقابِ بِها

إِلى المُخَدَّرَةِ العَذراءِ مِن سَبَبِ

كَم أَحرَزَت قُضُبُ الهِندِيِّ مُصلَتَةً

تَهتَزُّ مِن قُضُبٍ تَهتَزُّ في كُثُبِ

بيضٌ إِذا اِنتُضِيَت مِن حُجبِها رَجَعَت

Aحَقَّ بِالبيضِ أَتراباً مِنَ الحُجُبِ

خَليفَةَ اللَهِ جازى اللَهُ سَعيَكَ عَن

جُرثومَةِ الدِينِ وَالإِسلامِ وَالحَسَبِ

بَصُرتَ بِالراحَةِ الكُبرى فَلَم تَرَها

تُنالُ إِلّا عَلى جِسرٍ مِنَ التَعَبِ

إِن كانَ بَينَ صُروفِ الدَهرِ مِن رَحِمٍ

مَوصولَةٍ أَو ذِمامٍ غَيرِ مُنقَضِبِ

فَبَينَ أَيّامِكَ اللاتي نُصِرتَ بِها

وَبَينَ أَيّامِ بَدرٍ أَقرَبُ النَسَبِ

أَبقَت بَني الأَصفَرِ المِمراضِ كَاِسمِهِمُ

صُفرَ الوُجوهِ وَجَلَّت أَوجُهَ العَرَبِ.

Scroll to Top