المرابطون في العصر الأندلسي
نتيجة للتفكك والانهيار الذي شهدته ممالك الطوائف في الدولة الأندلسية، فضلاً عن الحملات المستمرة من الجيوش النصرانية للسيطرة على الأندلس، بدأت الضغوط تتزايد على السكان وتعرضت طُلَيطلة للسقوط في عام 1085م. وقد أُثيرت دعوات الاستغاثة بالمرابطين، الذين استجاب زعيمهم يوسف بن تاشفين لمساعدتهم، جاهدًا في سبيل الله للعودة بالأندلس إلى قوتها وهبتها.
في محاولة أخرى للإنقاذ، لجأ المعتمد بن عباد إلى المرابطين لمواجهة الضعف الذي عمّ الأندلس على مدى أكثر من سبعين عامًا، فقد أدرك الأندلسيون أهمية المرابطين، الذين جلبوا معهم روح الجهاد والعزة، غير آبهين بالذل الذي عاشوا فيه، حتى أن سبعة آلاف رجل من المرابطين كانوا كفيلين بتغيير واقعهم واستنهاض عزائمهم.
بعد عودة ابن تاشفين إلى المغرب، تفاقمت الأوضاع من جديد مما دعا مسلمي الأندلس، بتوجيه من العلماء والفقهاء، إلى الاستنجاد به مرة ثالثة. وفعلاً لبّى يوسف بن تاشفين النداء في عام 1090م، وتوجه إلى الأندلس، ولكنه ترك طُلَيطلة بعد أن وجدها محصنة، متوجهًا نحو غِرناطة حيث استقبله أميرها عبد الله بن بلقين قبل أن يعود إلى المغرب.
على الرغم من عودته، إلا أنه ترك بعض قادته لاستكمال المهمة الخاصة بالنيل من سلطة ملوك الطوائف. وبعد أن استسلمت قرطبة، خاض المرابطون معارك عديدة ضد ألفونس السادس، وعملوا على استعادة بلنسية من القمبيطور والقشتاليين. وفي عام 1096م، شهدت الأندلس دخول ابن تاشفين الرابع، وتلا ذلك بيعة لابنه أبي الحسن علي في 1101م، تضمنت شرط إنشاء جيش مرابطي دائم.
بداية نشأة المرابطين
تعود بدايات نشأة المرابطين إلى أحداث “بربشتر” و”بلنسية” في عام 440هـ/1048م، في العمق الأكبر لصحراء موريتانيا، التي عانت من الفقر والبيئة القاسية. هناك عاشت قبائل الأمازيغ، وخاصة قبيلة “صنهاجة”. كانت قبائل “جُدَالَة ولَمْتُونة” من أكبر قبائل “صنهاجة”، وتولى يحيى بن إبراهيم الجُدالي قيادة قبيلة جُدالة ذات السمعة الطيبة.
دخلت هذه القبيلة في الإسلام منذ زمن بعيد، ولكنها غُرقت في الضلال والشهوات. وقد لاحظ يحيى انتشار الفساد مثل الزنا وتعاطي الخمر، ومعرفته بأن الرجال يتزوجون أكثر من أربع نساء دون محاسبة. تشتتت القبائل وأصبح الوضع حالكًا دون شك.
واجه يحيى بن إبراهيم صعوبة في تغيير واقع قبيلته، لكنه استجاب لنداء الحج. وفي أثناء عودته، التقى بأبي عمران موسى بن عيسى الفاسي، الذي أرسل معه الشيخ الجليل عبد الله بن ياسين ليؤكد الدعوة الإصلاحية في القبائل، وهو الذي أصبح الزعيم الأول للمرابطين، فبدأ بتعليم الناس قيم دينهم.
مع مرور الوقت، استجاب الناس لدعوته بالرغم من التحديات الكبيرة، حيث عمل على ترسيخ المفاهيم الإسلامية السليمة وتعزيز القوة الفكرية والجسدية في نفوسهم. بعد استشهاده -رحمه الله- تولى الشيخ أبو بكر بن عمر اللمتوني زعامة المرابطين، وبعد سنتين من قيادته، أنشئت ما يعرف بدولة المرابطين شمال السنغال وجنوب موريتانيا، ثم تولى يوسف بن تاشفين زمام الأمور ليصبح مروجًا لدينه.
انهيار دولة المرابطين
كما يحدث في التاريخ دومًا، لم يكن غريبًا أن تنهار دولة المرابطين لأسباب متعددة ما زلنا نشهد آثارها حتى اليوم، ملخصة كما يلي:
- فتنة الدنيا حتى في ظل استمرار الجهاد.
- جدال عميق وغير مثمر بين العلماء والعامة.
- انتشار الذنوب رغم وجود العلماء.
- الأزمات الاقتصادية التي شهدها المرابطون.
معنى كلمة المرابطين
الرباط يعني ما يُربط به، ويجمع على رَبطة وأربطة ورُبُط. بينما يشير الرباط إلى الخيول، حيث إن الخمسين فما فوقها تُعتبر من المرابطة. والرباط هو الأماكن التي يُنشر فيها الجيش مثل الحصون. لذا، الرباط في اللغة يعني الثبات وعدم المغادرة. وقد قال النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- إن “رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها.”
وبذلك، فإن الرباط يعني الاستمرار في الجهاد، وجاء المرابطون بتلقّيهم وهم يحتمون بالخيام التي تُعد حصنًا لأمن المسلمين. وقد أطلق عليهم لقب “الملثّمين” إشارة إلى أن كثيرًا منهم كانوا يخفون وجوههم، كما اورد ابن خلكان في كتابه “وفيات الأعيان”.