العلاقة بين العلامة ومعناها

الارتباط بين الدال والمدلول في التراث العربي

يُعرف الدال والمدلول، المعروفان أحياناً باللفظ والمعنى، بأنهما عنصران أساسيان في علم الدلالة، الذي يُعتبر أحد فروع اللغويات الحديثة المخصصة لدراسة الألفاظ والجمل من منظور وصفى موضوعي.

شهد علم الدلالة تطوراً ملحوظاً عبر العصور. ففي اليونان، اعتبر أفلاطون وسقراط أن العلاقة بين الألفاظ ومعانيها هي علاقة طبيعية ذاتية. بينما قدم أرسطو رؤية أخرى، حيث رأى أن هذه العلاقة طبيعية تستند إلى توافق اجتماعي بين الأفراد.

رأى المفكرون الهنديون أن الكلمة تُقسم إلى ثلاثة مكونات: الكلمة، والإدراك، والمحتوى. فأما الكلمة فهي مكونة من وحدات صوتية، في حين يرتبط الإدراك بالربط بين اللفظ والمفهوم المدلول عليه. ومن جهة أخرى، كان غالبية اللغويين العرب القدماء يفضلون النظر إلى العلاقة بين اللفظ ومدلوله كصلة طبيعية.

الدال والمدلول في نظرية سوسير

تتواجد العلاقة بين الدال والمدلول في أطروحة سوسير ضمن الإشارة اللغوية، التي تُعتبر كياناً نفسياً يشتمل على جانبين: الدال الذي يمثل الصورة الصوتية للفظ، والمدلول الذي يعبر عن الفكرة في صورتها المجردة.

تمتاز الإشارة اللغوية، التي تجمع بين الدال والمدلول، بعدد من الخصائص الأساسية، منها:

  • الاعتباطية: تعني أن فكرة “أخت” لا ترتبط ارتباطاً داخلياً بتسلسل الأصوات (أ، خ، ت) التي تتشكل كدال في اللغة العربية، حيث يمكن التعبير عنها بأي تسلسل صوتي آخر في لغات مختلفة.
  • الخطية: حيث أن الدال يحمل طابعاً مسموعاً، ووجوده يتجلى في زمن محدد، مما يثبّت أن عناصر الدال السمعي تظهر بالتعاقب، ويتضح هذا في الكتابة، حيث يحتل الخط المكاني مكان التعاقب الزمني.
  • الثبات: يشير إلى أن الدال، بمجتمعه اللغوي، يظل ثابتاً، حيث لا يمكن استبداله بدال آخر ضمن اللغة المستخدمة.
  • التغير: يعني إمكانية حدوث تغييرات في العلاقة بين الدال والمدلول، فاللغة تتطور بمرور الزمن بغض النظر عن قدرة المتحدثين على التغيير.

وجهة نظر العرب المعاصرين حول العلاقة بين الدال والمدلول

عمد العديد من المفكرين العرب المعاصرين إلى رفض مفهوم العلاقة الطبيعية بين الدال والمدلول. وقد برهنوا على ذلك من خلال النقاط التالية:

  • إن اللفظ الواحد في اللغة قد يحمل دلالات متنوعة مما يعرف بالمشترك اللفظي.
  • يمكن التعبير عن معنى واحد بعدة ألفاظ مختلفة، وهو ما يسمى بالترادف.
  • قد ينتج التطور اللغوي تغييرات في الألفاظ دون تغيير دلالاتها، أو العكس، حيث يحتفظ الشكل بكونه واحداً بينما تتغير الدلالات.

تفسير العلاقة بين الدال والمدلول في النظريات اللسانية الغربية الحديثة

تميزت العديد من النظريات اللسانية ببحثها للعلاقة بين الدال والمدلول، ومن أبرزها:

النظرية الإشارية

تأسس مفهوم هذه النظرية بواسطة العالمان الإنجليزيان أوجدن وريتشاردز، حيث اعتبرت أن معاني الكلمات تتجسد من خلال إشارات تدل على أشياء غير نفسها، ويمكن أن تكون العلاقة بين الشيء والفكرة مباشرة كما في رؤية الألوان، أو غير مباشرة كما عند التفكير في شخصية مثل أرسطو.

النظرية التصورية

ظهرت هذه النظرية من خلال أفكار جون لوك، الذي يشير إلى أن استخدام الكلمات يجب أن يشير إلى الأفكار، حيث تعتبر الأفكار التي تُعبَّر عنها محور المعنى، مما يفيد بأن اللغة وسيلة لنقل الأفكار وتمثيلها.

النظرية السلوكية الأمريكية

أسسها العالم اللغوي الأمريكي بلومفيلد، حيث ترتكز على ما يتطلبه استخدام اللغة وما ينجم عن ذلك من استجابة لفعل معين، حيث يتحدد المعنى وفقاً للموقف الاستجابي الذي يتفاعل فيه الفرد.

النظرية الاجتماعية الإنجليزية

تُعرّف هذه النظرية معنى الكلمة عبر استخدامها في اللغة والدور الذي تؤديه، حيث يبرز المعنى الحقيقي في مختلف السياقات، مما يعزز فكرة تناسق المعنى مع الوظيفة في سياقه.

نظرية الحقول الدلالية

تنص هذه النظرية على أن الحقول الدلالية تُعرف بأنها مجموعة من الكلمات المرتبطة بمعنى واحد، حيث يرتبط هذا المفهوم بعلاقات لغوية مشتركة، على سبيل المثال، الكلمات مثل (أب، أخ، أم.. إلخ) تعد جزءاً من حقل القرابة.

Scroll to Top