تأملات في سورة القيامة
إن التأمل في القرآن الكريم يعتبر من العبادات العظيمة، حيث يُثمر عن إدراك عميق وأفكار نافعة. ويصبح التأمل أكثر فائدة حين يصل المتأمل إلى نتائج علمية يعمّ نفعها، ويتعاظم الأجر حين يقوم بنشر هذه النتائج في أوساط المجتمع لتحقيق الفائدة العامة.
تأملات بلاغية وبيانية في سورة القيامة
تحتوي سورة القيامة على العديد من الجوانب البلاغية والبيانية، ومن هذه التأملات ما يلي:
- استخدام أسلوب غير مباشر للوعظ والإرشاد
حيث يظهر التأثير القوي من خلال عبارة واحدة “اللوامة” في قوله -تعالى-: (وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ). فالنفس اللوامة هي التي تلوم المؤمن على عدم قيامه بالأعمال الصالحة وارتكابه للمعاصي، مما يشجع على فعل الخير وتجنب الشر، كل ذلك يتم بعبارة مختصرة.
- الإشارة إلى أطراف الأصابع
على الرغم من أن البنان هو جزء صغير من الجسم، إلا أنه يحمل معاني عميقة، كتجلٍ لقدرته -تعالى- على إحياء الإنسان في يوم القيامة. ويعكس اختلاف بصمات الأصابع على إعجاز الله في خلقه.
- الانتقال النغمي الصوتي الجذاب
تتميز السورة بانتقال جذاب من القسم على قدرة الله تجاه البعث إلى تصوير أحداث يوم القيامة بتأثير سمعي مميز، مما يولد شعوراً عميقاً لدى القارئ والمستمع.
- قوة التحذير
تظهر شدة التحذير في عبارة تحمل ثلاث كلمات، حيث يتساءل الإنسان عن مفره يوم القيامة، ويكون الرد الصادم في قول الله -تعالى-: (يَقُولُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ* كَلَّا لَا وَزَرَ)! تأمل في هذه العبارة، واجعل منها تذكيراً قوياً بأنه لا مفر من عواقب الأفعال.
- الجمالية في مقارنة حال المؤمنين والكافرين
تظهر فصاحة الآيات في تقديم حال المؤمنين مقارنة بالكافرين يوم القيامة، كما يبرز في قوله -تعالى-: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ* إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ* وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ* تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ).
- توضيح المعنى بشكل بليغ
يبين حال الإنسان عند الموت وما يلي ذلك، وهو ما يترك أثراً عميقاً في النفس. حيث يظهر عجز الإنسان أمام الموت، وهو ما يوضحه الله -تعالى- في قوله: (كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ* وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ* وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ).
- العودة إلى حالة الإنسان الكافر في الدنيا
يتسم هذا الانتقال بالدقة، حيث يجد الإنسان بعد الموت ما قدَّمه في حياته، لذا كان مناسباً ذكر ما قام به في الدنيا بعد فترة الاحتضار.
- تحذير شديد وعواقب عظيمة
يتكرر التحذير في قوله -تعالى-: (أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى* ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى)، مما يفيد الويل والندم.
- نهاية السورة بالرد على إنكار المشركين
حيث يرد الله على منكرين البعث، ويظهر قدرته على خلق الإنسان من نطفة، كما في قوله -تعالى-: (أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى* أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى* ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى* فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى* أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى).
المحاور العامة في سورة القيامة
يمكن تلخيص الأفكار والمحاور العامة لسورة القيامة في النقاط التالية:
- الرد على منكري البعث
يؤكد الله -تعالى- على قدرته على إحياء الناس في الآيات (1-6) من سورة القيامة.
- التعريف بهول يوم القيامة
ويبين حال الإنسان فيه، موضحاً أعماله التي قام بها في الحياة الدنيا، وذلك في الآيات (7-15) من سورة القيامة.
- التعريف بنعمة الله تعالى على نبيه -صلى الله عليه وسلم- في جمع القرآن الكريم في صدره
وهذا يتضح في الآيات (15-19) من سورة القيامة.
- وصف ملامح الناس يوم القيامة
حيث تبدو وجوه المؤمنين نضرة، بينما تكون وجوه الكافرين عابسة، في الآيات (20-25) من سورة القيامة.
- تقديم صورة عن الإنسان أثناء الاحتضار وما بعده، خاصة للكافر، كما في الآيات (26-30) من سورة القيامة.
- عرض بعض الدلائل على قدرة الله -تعالى- على البعث، في الآيات (36-40) من سورة القيامة.