الإيمان بالخفي
إن الإيمان بالخفي يعني التصديق المطلق بأن العالم المرئي الذي نشاهده ليس سوى جزء بسيط من الوجود. إن هذا الوجود، سواء كان غيبياً أو مشاهداً، له خالق عظيم يدبر شؤونه جميعاً. ومن المهم الإشارة إلى أن أركان الإيمان الستة في الدين الإسلامي تشمل جميعها عناصر غيبية، لذا فإن من يؤمن بها يُعتبر مؤمناً. يؤمن المسلم بأن علم الغيب خاصة بالله وحده، ولا يحق لأحد الادعاء بمعرفته، إلا أن الله يطلع من يشاء من رسله على شيئاً منه، كما ورد في قوله تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا). ويتضح من ذلك أن أي وسيلة تهدف إلى اكتشاف شيء من عالم الغيب، بخلاف الوحي الذي ينزله الله على رسله، تعتبر مضللة وكاذبة، ولا يمكن أن تقود إلى معرفة حقيقية، بل تؤدي إلى الظنون والأوهام. لهذا السبب، حرّم الله السحر والكهانة والعرافة وكل ما يشابهها من محاولات ادعاء علم الغيب بطرق غير شرعية، وذلك لأنها تتنازع الله في ما اختص به من علم. بينما يقتصر اطلاع الإنسان والحيوان على عالم الشهادة دون الغيب، فالفرق بينهما كتفاوت الذرة مع الجبل. يؤمن المسلم بالغيب رغم عدم اطلاعه عليه، إلا أنه يدرك وجوده من خلال الأدلة والبراهين والشواهد العقلية والنقلية من الرسل. وقد أطلع الله عباده على ما يحتاجونه من عالم الغيب، بينما أخفى عنهم أشياء أخرى، مثل الذات العليا والحياة الآخرة، بينما أظهر لهم أعمالهم المشاهَدة وأخفى النيَّات. ومن يؤمن بما أطلعهم الله عليه من عالم الغيب ويصدقه، يُعتبر مؤمناً، بينما من يكفر به ويبتعد عنه يصبح كافراً.
الفروق بين الجن والشياطين
إن عالم الجنّ هو عالم غيبي خفي، وقد أشار الله إليه في القرآن الكريم، حيث خلقهم لعبادته وحده. قال سبحانه: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونَ). الجنّ يتميزون بالعقل والإدراك كما البشر، ولهم حرية الاختيار بين الحق والباطل. أُطلق عليهم هذا الاسم لأنهم يستترون عن الأنظار. إن وجود الجنّ يعد من الأمور البديهية في الإسلام، لذا فإن إنكار وجودهم يُعتبر كفراً، لأنه يكذّب ما جاء في القرآن. وقد بُعِث الرسول صلى الله عليه وسلم للإنس والجنّ على حد سواء، مما يدل على أن الجن مكلفون بالتكاليف الشرعية، ومأمورون بتوحيد الله وإفراد العبادة له، والتصديق بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم. كما هو الحال مع البشر، فقد آمن بعض الجنّ وكفر البعض الآخر، كما يتضح من قوله تعالى على لسان الجن: (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا*وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا).
أما الشيطان، فهو من عالم الجن أيضاً، ولكنه يُعتبر من الجن الكافر. كل جنٍّ كافر يُطلق عليه اسم شيطان، بينما من آمن منهم لا يُسمّى بذلك. وذكر الحافظ ابن كثير في تفسيره أن اسم الشيطان مشتق من بعد، لذا كل من تمرد عن الطاعة، من جن أو إنس أو حيوان، يُطلق عليه اسم شيطان. إضافة إلى ذلك، يوجد شياطين من الإنس الذين يتمردون ويسيئون.
الاختلافات بين الجن والملائكة
هناك فروق عديدة بين الملائكة والجنّ، وفيما يلي بعض هذه الفروق:
- يختلف أسلوب خلق الملائكة عن الجن. فقد خلق الله الجن من النار وجعل تناسلهم من ماء، بينما خلق الملائكة من النور.
- الملائكة مؤمنون معصومون من الذنوب، ولا يأمرون غيرهم إلا بالخير، في حين أن الجن يتنوعون بين المؤمن والكافر وقد يرتكب البعض المعاصي.
- الملائكة لم تُعطَ الشهوة بينما الجنّ يتشابهون مع الإنس في هذه الصفة.
كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن كل إنسان يملك قريناً من الجن وقريناً من الملائكة، حيث قال: (ما منكم من أحدٍ، إلا وقد وُكِل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة). الشيطان من الجن له تأثير في قلب الإنسان يدفعه إلى الشر، بينما قرين الملائكة يوجه الإنسان نحو الخير ويحرضه عليه.