تاريخ فن المقامات في العصر الأندلسي
ساهمت الرحلات التي قام بها العديد من الأندلسيين في نقل فن المقامات من المشرق إلى الأندلس. وكان ذلك بدافع البحث عن المعرفة، وعند عودتهم إلى أوطانهم بعد إكمال دراستهم، كانوا يتشاركون هذه العلوم، بما في ذلك فن المقامات. وقد عُرفت مقامات بديع الزمان الهمذاني ورسائله بشكل واسع في العصر الأندلسي، خاصة في زمن ملوك الطوائف.
كما أن العلاقات الثقافية بين المغرب والمشرق ساعدت في انتشار فن المقامات، وتحديدًا خلال الفترة الأولى من حكم المرابطين في الأندلس، حيث انتشرت مقامات الحريري بالمغرب بشكل واسع بالتزامن مع انتشارها في الشرق.
مقامات الحريري وبديع الزمان الهمذاني
برز عدد من كتّاب المقامات في العصر الأندلسي، لكن يُعتبر الحريري وبديع الزمان الهمذاني من أشهرهم، حيث قوبلت أعمالهم بمعارضة من بعض الأدباء الأندلسيين.
من بين هؤلاء الأديب عبد الله محمد بن شرف القيرواني، الذي عارض مقامات بديع الزمان وفقًا لما رواه ابن بسام عن هذا الأديب المعاصر للمعتضد بن عباد في إشبيلية (1042-1068م).
كما ذكر ابن بسام الشاعر أبي المغيرة عبد الوهاب بن حزم، المتوفى حوالي سنة 1029م، الذي انتقد رسالة للهمذاني تصف غلامًا. بالإضافة إلى ذلك، أورد ابن بسام بعض مقامات الأديبين أبي حفص عمر الشهيد، وأبي محمد بن مالك القرطبي، اللذين عاشا في زمن المعتصم بن صمادح بمدينة المرية الأندلسية.
أما بالنسبة لمقامات الحريري، فقد روى ابن الآبار أن العديد من الأندلسيين حضروا مقاماته الخمسين في بستانه ببغداد، وعادوا إلى بلادهم ليشاركوا بها الآخرين، مما زاد من شهرة فن المقامات. ومن هؤلاء الحسن بن علي البطليوسي المتوفى سنة 1169م وأبو الحجاج يوسف القضاعي البلنسي المتوفى سنة 1147م.
أشهر المقامات في العصر الأندلسي
تعددت المقامات التي تم تداولها بين الناس في العصر الأندلسي، ومن بين أشهر المقامات التي أُلفت في تلك الفترة:
- مقامتان لأبي عبدالله بن شرف القيرواني.
- مقامة لأبي حفص عمر بن الشهيد.
- مقامة للأديب أبي محمد بن مالك القرطبي.
- مقامة لعبد الرحمن بن فتوح تشبه مقامة ابن شرف النقدية.
- مقامة لابن المعلم.
- مقامة صنعها الفتح بن خاقان على الأستاذ أبي محمد البطليوسي، والتي نُسبت خطأً إلى ابن أبي الخصال الذي نفى عنها، وتبرأ منها.
- مقامة لابن أبي الخصال انتقد بها الحريري.
- المقامات اللزومية للسرقسطي الاشتركويي.
- مقامة لأبي اسحاق بن خفاجة الشاعر، لم يتبقى منها سوى أبيات في ديوانه.
- مقامتان لمحارب بن محمد بن محارب الوادي آشي، كتب إحداهما إلى القائل أبي عبد الله بن ميمون، والأخرى في مدح القاضي بن موسى.
- المقامة الدوحية لأبي عبد الله بن عياض اللبلي، والمعروفة أيضًا بالمقامة العياضية الغزلية، وأحيانًا تُنسب خطأً إلى محمد بن عبد الرحمن بن موسى بن عياض الشاطبي.
- سبع مقامات للأديب أبي الحسن بن سلام المالقي.
- مقامات في أغراض متنوعة لعبد الرحمن بن محمد السلمي المالقي.
المواضيع التي تناولتها المقامات في العصر الأندلسي
تناولت المقامات في العصر الأندلسي مواضيع عدة، أبرزها أسلوب الكدية وظهور فئة المتسولين، حيث كان طلب المال يُمارس بأسلوب متقن وحيل متنوعة تُحفز السامع على العطاء. ومن الجدير بالذكر أن عنصر الكدية في المقامات الأندلسية تم تقديمه بشكل تلقائي ودون تكلف، مما يعكس براعة كتّابها.
تطرق الكتاب إلى الكدية بأسلوب غير مباشر، كما يتضح في مقامة السرقسطي التي تناولت الكدية بأسلوب تدريجي، مهدت للتوصل إلى الدرهم والدينار دون التصريح بذلك بصورة مباشرة. وقد تم ذكر الدرهم في مقاماته بشكل غير علني، مع تبرير سعيه للحصول عليه.
كما ارتبطت المواضيع في المقامات بحياة طبقات المجتمع، حيث استُخدمت كوسيلة للنقد الاجتماعي، تناولت مختلف عادات الناس وأعرافهم، وإلى جانب توثيقها لواقع الحياة الشعبية في العصر الأندلسي، قدمت صورة حية لهذه الحقبة بأبعادها الاجتماعية المختلفة.