المصادر الأساسية للمذهب العقلي
يُعتبر المذهب العقلي توجهًا فلسفيًا معرفيًا يركز على اعتبار العقل وسيلة أساسية للوصول إلى المعرفة اليقينية. هذا المذهب يعتمد على مجموعة من المصادر التي يمكن توضيحها كالتالي:
العقل
يُعد العقل وسيلة الاستنباط والحكم، وذلك لأن الحواس قد تخدعنا في الكثير من الأحيان، فعلى سبيل المثال، يمكن أن ترى العين السراب في الصحراء، أو يمكن أن يعتقد الشخص العاقل أن أوهامه حقائق. وبالتالي، يتطلب الأمر وجود مصدر آخر للمعرفة لا يعتمد بالكامل على الحواس، بل يتيح إعادة التفكير فيما يراه أو يشعر به الإنسان عبر العقل والمنطق للوصول إلى اليقين (الحقيقة) وتمييزها عن الزيف.
يمكن توضيح آلية عمل العقل بناءً على أفكار كل من أرسطو ولوك. ففي البداية، يستقبل العقل إشارات من الحواس، التي تُشكِّل صورًا في الذهن كيفما كان الجانب الفكري أو الخيالي. بعد ذلك، يقوم العقل بتوصيل هذه الصور الذهنية وتنظيم المعلومات الناتجة عنها، مما يؤدي بالنهاية إلى الوصول إلى المعرفة.
فهم العقل لدى الفلاسفة المسلمين
سعى الفلاسفة المسلمون إلى دمج العلوم والفلسفة. حيث كتب الدكتور راجح الكردي فصلًا في إحدى مؤلفاته يتناول فيه العقل وفقًا للقرآن. وقد أشار إلى أن لفظ “العقل” لم يُذكر في القرآن، لكن هناك أفعال تتعلق بالتفكير والتعقل مثل “تعقلون”، “تتذكرون”، و “تتفكرون”. إن التعقل هو صفة تميز الإنسان عن غيره من الكائنات.
فإذا اعتبرنا أن هناك عضوًا لحميا يُدعى العقل في جسم الإنسان، ولكنه معطل ولا يتأمل أو يتفكر، فإن وجوده سيكون بلا فائدة. لذا، تكمن الحكمة -كما يُعتقد- في استغلال الإنسان لعقله فيما يُشاهده وما يسمعه للوصول إلى الحقائق.
الوحي
تباينت وجهات النظر بين أصحاب المذهب العقلي حول ترتيب الوحي بالنسبة للعقل، حيث قام هذا التباين على خلفياتهم الدينية والفكرية. كما تباينت آراءهم بشأن قبولهم لنصوص الوحي وشروط تصديقهم لصحتها، كما يتبين في النقاط التالية:
- يرى بعض العقليين من أتباع الديانتين اليهودية والمسيحية أن العقل هو المقياس الرئيسي لصدق الوحي، بينما يُعتقد آخرون أنه لا يمكن الاعتماد على العقل لتقييم مبادئ الوحي.
- يعتبر بعض فلاسفة المسلمين أن الإنسان يمكنه اكتساب المعرفة بالعقل بمفرده، دون الحاجة للوحي، مثل أبو بكر الرازي.
- توجد كذلك عقيدة شائعة عند المعتزلة تفيد بأن العقل يُقدم على نصوص الوحي عند وجود أي تعارض بينهما.
- بينما يرفض علماء العقيدة الإسلامية هذا التوجه، مؤكدين عدم وجود تعارض بين العقل ونصوص الوحي، وقد كتب شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا السياق، في مؤلفه “درء تعارض العقل والنقل”.
- بالنسبة للعلمانيين، فإنهم لا يعتبرون الوحي مصدرًا من مصادر المعرفة، حيث تقتصر مصادرهم على العقل فقط، أو الجمع بين العقل والحدس والإحساس مع اعتبار العقل هو الأهم.
الحس والتجربة
يقبل أتباع المذهب العقلي بما تقدمه الحواس والتجارب من معرفة، لكنهم لا يوافقون على اعتبار كل ما تنقله الحواس حقائق نهائية. حيث يقوم علماء المنطق بالتفريق بين الأمور الحسية التي يُؤكد العقل على وجودها عند الإحساس بها، كوجود الشمس عند الشعور بحرارتها، والأشياء التي تحتاج إلى تجربة وتساؤلات فكرية تُوظف المدركات الحسية.
الحدس أو الإلهام
الحدس أو الإلهام كما يُفهم في الصوفية هو المعرفة التي ترد إلى القلب بلا استدلال، وتعرف حالة الإلهام لديهم بالكشف والإشراق، ويُشار إلى الجزء البشري الذي يحدث فيه هذا الكشف والإشراق بالبصيرة، والذي يُمكنه رؤية حقائق الأشياء وبواطنها، تمامًا كما ترى العين الأشياء من حولها.
وفقا لشرح ديكارت، يُعرّف الحدس بأنه عملية عقلية يُدرك من خلالها الذهن حقيقة شيء ما بشكل كامل وفي زمن واحد، دون الحاجة للمرور بالتفكير أو تحليل متدرج، بل يحدث بشكل تلقائي. ومن الأمثلة على ذلك، مجرد رؤية الإشعاع الضوئي من ثقب في الجدار يؤدي بنا إلى الاعتقاد مباشرة بوجود مصدر للضوء دون الحاجة للتفكير أو التأمل.