تحليل قصيدة “تنسى كأنك لم تكن”
قصيدة “تنسى كأنك لم تكن” للشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش تعد واحدة من أبرز أعماله، وسنستعرض في هذا المقال تحليلًا مختصرًا لمضمونها.
شرح قصيدة “تنسى كأنك لم تكن”
يعبّر محمود درويش في بداية قصيدته عن فكرة النسيان بعد الموت، حيث يقول:
تُنسى، كأنَّكَ لم تَكُنْتُنْسَى كمصرع طائرٍ ككنيسةٍ مهجورةٍ تُنْسَى، كحبّ عابرٍ وكوردةٍ في الليل.. تُنْسَى
يشير درويش في هذا المقطع إلى أن الإنسان، بعد رحيله، يُنسى كأن لم يكن له وجود، ويشبه هذا النسيان بموت الطيور، وهو أمر يحدث بشكل يومي، أو كالكنائس المهجورة، أو كحبّ مُؤقّت بين شخصين، مؤكدًا أن هذه الظواهر هي جزء من الحياة وتتكرر باستمرار.
أَنا للطريق.. هناك من سَبَقَتْ خُطَاهُ خُطَايَ، مَنْ أَمْلَى رُؤاهُ على رُؤَايَ.. هُنَاكَ مَنْ نَثَرَ الكلام على سجيَّته ليُدخل في الحكايةِ أو يضيءَ لمن سيأتي بعده أثرًا غنائيًّا.. وحدساتُنْسَى، كأنك لم تكن شخصًا، ولا نصًّا.. وتُنْسَى
ينتقل درويش في هذا المقطع إلى مناقشة قضية هامة في الشعر؛ وهي نفاد المعاني. يعود ليقول إنه يسير على الطريق الذي سبق أن سارت عليه الكثير من الأجيال الشعرية التي عبّرت عن كل شيء، وقد أثروا فيه. كما يبرز في هذا السياق أن الشاعر أيضًا يمكن أن يُنسى وكأنّه لم يُقدم أي شعر.
أَمشي على هَدْيِ البصيرة، رُبما أُعطي الحكايةَ سيرةً شخصيَّةً.. فالمفرداتُ تسُوسُني وأسُوسُها.. أنا شكلها وهي التجلِّي الحُرّ، لكنْ قيل ما سأقول.. يسبقني غدٌ ماضٍ..
يعبر درويش هنا عن سعيه لإثراء الشعر، مع احتمال تحقيق شهرة خالدة من خلال انسجامه مع مفردات الشعر، مشيرًا إلى أنه سيعمل على تقديم أفكار جديدة، رغم اعترافه بأن الشعراء السابقين تركوا له عائقًا يتمثل في تقديم أفكار غير مُستهلكة.
أَنا مَلِكُ الصدى.. لا عَرْشَ لي إلاّ الهوامش.. والطريقُ هو الطريقةُ.. رُبّما نَسِيَ الأوائلُ وَصْفَ شيءٍ ما، أُحرّكُ فيه ذاكرةً وحسّات تُنسى، كأنِّكَ لم تكن خبرًا، ولا أَثرًا.. وتُنْسَى
هنا يُبرز درويش شعوره كصوت شاحب في زحام الأصوات المختلفة، حيث يواجه صعوبة في إيجاد مساحته بين الشعراء، لكنه يتطرق لموضوع الفكر والعقل ليؤكد أنه سيسهم بشيء جديد، ثم يعود للتأكيد على فكرة النسيان التي تلاحق الجميع بعد الموت.
أَنا للطريق.. هناك مَنْ تمشي خُطَاهُ على خُطَايَ، وَمَنْ سيتبعني إلى رؤيايَ.. مَنْ سيقول شعرًا في مديح حدائقِ المنفى، أمامَ البيت، حرًّا من عبادَةِ أمسِ، حرًّا من كناياتي ومن لغتي، فأشهد أنني حيُّ وحُرٌ حين أُنْسَى!
يتناول درويش هنا رؤيته للعالم الشعري وكيف سيظهر جيل جديد قادر على التعبير عن ذاته بعيدًا عن تأثير الشعراء القدامى، مع تناول جوانب جديدة تعكس الواقع المعاصر، مع اعتقاده أنه رغم كل شيء، سيفضل أن يُذكَر حتى بعد انقضاء أجله.
الأفكار الرئيسية في قصيدة “تنسى كأنك لم تكن”
تتناول قصيدة “تنسى كأنك لم تكن” عدة أفكار رئيسية، من أبرزها:
- التأكيد على أن الأفراد لا يخلدون إلا من خلال ما يتركونه في الحياة.
- فكرة أن الشعراء السابقين قد استنفدوا معظم المعاني.
- الإبداع في الشعر يتطلب الخروج عن إبهار الشعراء السابقين والتعبير بأسلوب خاص.
- مجيء جيل جديد من الشعراء قادرين على تقديم شعرٍ يبتعد عن تقليد أسلافهم.
الصور الفنية في قصيدة “تنسى كأنك لم تكن”
تضمنت القصيدة العديد من الصور الفنية، منها:
- تُنسَى كمصرع طائرٍ
تشبيه نسيان الإنسان أو ذكره بموت الطائر الذي لا يلاحظه أحد، حيث تم حذف وجه الشبه، مما يعطي التشبيه طابعًا مجملًا.
- ككنيسةٍ مهجورةٍ تُنْسَى
تم استخدام تشبيه نسيان الشخص بعد وفاته بالكنيسة المهجورة، مع حذف وجه الشبه، مما يعكس الفكرة بصورة أكثر عمقًا.
- أنا شكلها
تشبيه معبر حيث يُستخدم أسلوب مختصر يخلط بين المشبه والمشبه به، مما يعكس فهمًا عميقًا للشكل والمضمون.
- أَنا مَلِكُ الصدى.
تشبيه بليغ حيث يعكس حالة من القوة والتميز في عالم الشعر، مع غياب أداة التشبيه مما يضفي طابعًا من الرمزية.
مقتطفات من قصيدة “تنسى كأنك لم تكن”
يقول محمود درويش في أحد مقاطع القصيدة الشهيرة:
تُنسى، كأنَّكَ لم تَكُنْتُنْسَى كمصرع طائرٍ ككنيسةٍ مهجورةٍ تُنْسَى، كحبّ عابرٍ وكوردةٍ في الليل.. تُنْسَى أَنا للطريق.. هناك من سَبَقَتْ خُطَاهُ خُطَايَ مَنْ أَمْلَى رُؤاهُ على رُؤَايَ.. هُنَاكَ مَنْ نَثَرَ الكلام على سجيَّته ليُدخل في الحكايةِ أو يضيءَ لمن سيأتي بعده أثرًا غنائيًّا.. وحدساتُنْسَى، كأنك لم تكن شخصًا، ولا نصًّا.. وتُنْسَى أَمشي على هَدْيِ البصيرة، رُبما أُعطي الحكايةَ سيرةً شخصيَّةً.. فالمفرداتُ تسُوسُني وأسُوسُها.. أنا شكلها وهي التجلِّي الحُرّ، لكنْ قيل ما سأقول.. يسبقني غدٌ ماضٍ.. أَنا مَلِكُ الصدى.. لا عَرْشَ لي إلاَّ الهوامش.. والطريقُ هو الطريقةُ.. رُبّما نَسِيَ الأوائلُ وَصْفَ شيءٍ ما، أُحرّكُ فيه ذاكرةً وحسّات تُنسى، كأنِّكَ لم تكن خبرًا، ولا أَثرًا.. وتُنْسَى أَنا للطريق.. هناك مَنْ تمشي خُطَاهُ على خُطَايَ، وَمَنْ سيتبعني إلى رؤيايَ.. مَنْ سيقول شعرًا في مديح حدائقِ المنفى، أمامَ البيت، حرًّا من عبادَةِ أمسِ، حرًّا من كناياتي ومن لغتي، فأشهد أنني حيُّ وحُرٌ حين أُنْسَى!