سورة طه: قوله تعالى “ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى”
- قال الله تعالى: “طه * مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقرْآنَ لِتَشْقَىٰ * إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ”، وهي الآيات الثلاث الأولى من سورة طه.
- تُعتبر سورة طه سورة مكية، وتقع في الجزء السادس عشر من القرآن الكريم، بعد سورة مريم وقبل سورة الأنبياء.
اطلع على مقالنا حول:
سبب نزول الآية “ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى”
- نقل الضحاك أنه قال: “لما نزل القرآن على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، قام هو وأصحابه فصلوا، فقال كفار قريش إنما أنزل الله هذا القرآن على محمد ليشقى به، فأنزل الله تعالى: (طه * مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقرْآنَ لِتَشْقَىٰ)”.
- كما أورد مقاتل رحمه الله سبباً آخر للنزول حيث قال إن أبا جهل والنضر بن الحارث قد قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: “إنك لتشقى بترك ديننا”، وذلك بعدما شاهدا طول عبادته واجتهاده، فأنزل الله تعالى: (طه * مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقرْآنَ لِتَشْقَىٰ)”.
تفسير “ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى”
- في تفسير الآية، قال مجاهد رحمه الله إن معناها مشابه لقوله: (فاقرؤوا ما تيسر منه) [المزمل: 20]، وكانوا يربطون الحبال على صدورهم في الصلاة.
- وقال قتادة رحمه الله: “لا، والله، ما جعله شقاء، بل جعله رحمة ونوراً ودليلاً إلى الجنة”.
- فالشقاء هنا هو ضد النعيم، وقد توهم الكافرون أن كفرهم نعيماً وأن القرآن شقاء للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
- لكن رغم تنعمهم في الدنيا، ستبقى أرواحهم في شقاء ما لم تشرق بنور القرآن ونعيمه.
- وقد قيل أيضاً إن الشقاء المقصود هو تعب النبي صلى الله عليه وسلم بسبب تأسفه على أهل الكفر. وهذا المعنى ورد في عدة آيات مثل قوله تعالى: “فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ” [فاطر].
- كما في قوله: “فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا” [الكهف].
التفسير الميسر
- المعنى: “ما أنزلنا عليك -أيها الرسول- القرآن؛ لتشقى بما لا طاقة لك به من العمل”.
المختصر في التفسير
- الشرح: “ما أنزلنا عليك -أيها الرسول- القرآن ليكون سببًا في إرهاق نفسك أسفًا على إعراض قومك عن الإيمان بك”.
تفسير الجلالين
- التأويل: “ما أنزلنا عليك القرآن” يا محمد “لتشقى، لتتعب بما فعلت بعد نزوله من طول قيامك بصلاة الليل، أي خفف عن نفسك”.
تفسير السعدي
- الشرح: “مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى” – أي: ليس المقصود من الوحي، وإنزال القرآن عليك، وشرع الشريعة، لتشقى بذلك، بل هو رحمة من الله، وجعلها موصلة للسعادة والفلاح.
تفسير البغوي
- المضمون: “ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى” يُفهم أن المشركين عندما رأوا اجتهاد الرسول في العبادة قالوا: “ما أنزل عليك القرآن إلا لشقائك”، فنزلت الآية لتؤكد عكس ذلك.
التفسير الوسيط
- الاستفادة: الآية تعزي الرسول صلّى الله عليه وسلّم بشأن ما أصابه من المشركين، وتوضح أن الشقاء لا ينبع من الدين، بل جاء القرآن ليسعد الناس.
تفسير ابن كثير
- الشرح: قال جويبر عن الضحاك: عندما أنزل الله القرآن، قام الرسول وأصحابه، فقال المشركون: “ما أنزل هذا القرآن إلا ليشقى!”، لذا أُشير أن العلم والوحي لهما أهداف إيجابية.
تفسير القرطبي
- المعنى: “ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى” أي لتتعب بسبب أسفك عليهم وعلى كفرهم، فليس عليك سوى البلاغ.
فوائد من تفسير “ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى”
- تفسير “ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى” يحمل فوائد علمية هامة في مجالات العلوم الشرعية المتعددة.
- تشمل هذه الفوائد فائدة عقدية وتربوية وإيمانية ولغوية، وسنستعرض بعضًا منها في ما يلي.
الفوائد العقدية في تفسير “ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى”
- قوله تعالى “أنزلنا” يوضح أن القرآن هو كلام الله العظيم المنزل من عنده سبحانه، وهذا الإنزال تم بواسطة جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
- تعددت الآراء حول طبيعة القرآن، فبعض الطوائف اعتقدت أنه مخلوق، وآخرون اعتبروه كلامًا نفسيًا وغير ذلك من الآراء.
كما يمكنك التعرف على:
الفوائد التربوية والإيمانية في تفسير “ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى”
- من أبرز الفوائد أنه لا شقاء مع القرآن، إذ إن القرآن يمنح راحة وطمأنينة لا يعرفها إلا من فاز برفقتهم.
- وقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى أن اطمئنان القلب يتحقق من خلال ذكره، والقرآن أعظم أنواع الذكر.
- قال تعالى في سورة الرعد: “الَّذِينَ آمَنوا وَتَطْمَئِنّ قلوبهم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنّ الْقُلُوب” [الرعد].
- وكما أن القرآن لا يسبب الشقاء في الدنيا، كذلك لا يشقى في الآخرة، بل يأتي القرآن شفيعًا له يوم القيامة.
- عن أبي أمامه الباهلي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “اقْرَؤوا الْقُرْآنَ فإنَّه يَأْتي يَوْمَ القِيامَةِ شَفِيعًا لأَصْحَابِهِ” [صحيح مسلم].
- تصنع المجالس التي يتم فيها قراءة القرآن خشوعًا مهيبًا، حتى إن المتواجدين بجوارها ينالهم من نفحاتها.
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عن من مرّ على أهل الذكر: “هم القوم لا يشقى بهم جليسهم” [صحيح مسلم].
- الفائدة الثالثة تتمثل في أن الشريعة الإسلامية جاءت للتيسير وليس للشقاء أو العنت.
- كما أن القاعدة الأصولية تقول إن المشقة تجلب التيسير، لذا يجد المسلم في الشريعة تخفيفًا لكل ما يشق عليه.
- قال تعالى: “يرِيد اللَّه بِكُم الْيُسْرَ وَلَا يُرِيد بِكُم الْعُسْرَ” [البقرة: 185]، وقال عليه الصلاة والسلام: “إِنَّما بُعِثْتُمْ مِيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ” [سنن الترمذي].
الفوائد اللغوية في تفسير “ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى”
- قوله تعالى “لتشقى” يُعتبر تلميحًا بأن المشركين هم الأشقياء، حيث قال الله “لتشقى” ولم يقل “لتتعب”.
- قد يتعرض الشخص لتعب جسدي في الدنيا دون أن ينال الراحة الكاملة التي هي ضد التعب.
- أما الشقاء فوضده السعادة، التي لا تتحقق إلا بالإيمان وهي ثمرة له وعاجلةً بشرى المؤمن في الدنيا.
- تضاعف دلالة كلاً من الفعلين “أنزلنا” و”تشقى” في سياق النفي ما يدل على عدم وجود شقاء في الآيات جميعها للنبي صلى الله عليه وسلم.
- إن إنزال القرآن ينفي جميع أنواع الشقاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل من اتبع سنته في التعامل مع القرآن.
- كذلك، يعبر قوله تعالى “عليك” عن تخصيصٍ وتقديرٍ يدعم مكانة النبي صلى الله عليه وسلم بإنزال القرآن الكريم عليه دون سواه.
اقرأ من هنا عن:
التفسير الإجمالي للآية
الآية “ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى” تشير إلى أن الهدف من إنزال القرآن ليس إتعاب الرسول أو جعل حياته معقدة، بل هو رسالة رحمة وهداية للناس. توضح الآية أن الشريعة جاءت لتسهيل الأمور وإرشاد المؤمنين نحو السعادة والفلاح.
التفسير التحليلي للآية
- إثبات الرحمة: تعكس الآية رحمة الله تجاه عباده، حيث جاء إنزال القرآن لتيسير الحياة الروحية والأخلاقية.
- تحذير من الإرهاق: تحث الرسول على أن يكون اجتهاده في العبادة بقدر طاقته، وأنه ليس مكلفًا فوق طاقته.
- تشجيع على الدعوة: تدعو الآية الرسول للاستمرار بواجبه الدعوي دون الانزعاج من إعراض قومه، فالدعوة هي مسؤوليته ونتائجها تعود إلى الله.
- التحذير من العناء في الدعوة: تؤكد الآية أن الإحباط الناتج عن تجاهل الناس ليس سببًا لشقاء الرسول، بل عليه أن يبقى صابرًا ومندمجًا في عمله.
ما ترشدنا إليه آية “ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى”
- التأكيد على الهدف من الوحي: إنزال القرآن وسيلة للهداية وليس لتعذيب النفس.
- ضرورة التوازن: يجب على المومنين السعي لتحقيق العبودية لله دون اجهاد النفس بشكل مفرط.
- الثقة بالله: تعلمنا الآية أن النتائج بيد الله ومن واجبنا أداء الرسالة بأمانة دون القلق من ردود أفعال الآخرين.
- تشجيع العمل المستمر: تُذكّر الآية أن القرآن هو وسيلة لتحقيق السعادة والنجاح، وهو غذاء للروح، مما يُشجع على القراءة والتأمل فيه.