الهجرة إلى الحبشة: الأسباب والدوافع وراءها

الهجرة الأولى إلى الحبشة

مع تصاعد معاناة المسلمين في مكة نتيجة أذى مشركي قريش، أوصى النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- بالهجرة كوسيلة للبحث عن الأمان والدفاع عن دين الله -عز وجل-. وقد اختار لهم أرض الحبشة نظراً لما يتمتع به ملكها من عدل وعدم قبول الظلم. وهذا حدثت الهجرة الأولى من مكة في السنة الخامسة للبعثة، حيث بلغ عدد المهاجرين عشرة رجال وأربع نساء، منهم عثمان بن عفان وزوجته رقية ابنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأبو سلمة وزوجته أم سلمة، وعبد الرحمن بن عوف، وعثمان بن مظعون -رضي الله عنهم- وغيرهم.

غادر هؤلاء المهاجرون بشكل سري حتى وصلوا إلى البحر، حيث ركبوا السفينة متوجهين نحو الحبشة. وعلى الرغم من أن قريش علمت بخبر هجرتهم واتبعتهم، إلا أنهم وصلوا بفضل الله إلى الحبشة وعاشوا هناك آمنين خلال شهري رجب وشعبان، وكذلك رمضان. ولكن بعد فترة وصلت إليهم أنباء حول إسلام أهل مكة، فقرر بعضهم العودة. وعند اقترابهم من مكة، اكتشفوا أن الأمر ليس كما ظنوا، وزادت المضايقات من جانب المشركين ضد الدعوة وأتباعها؛ فاختار البعض دخول مكة خفية، بينما قرر الآخرون العودة مرة أخرى إلى الحبشة.

ملخّص الفقرة: كانت الهجرة الأولى إلى الحبشة حدثاً مهماً في تاريخ الإسلام، حيث دعم النبي -صلى الله عليه وسلم- المهاجرين وتوجّههم إلى الحبشة بسبب الظروف الصعبة التي واجهوها في مكة. وعندما سمعوا بإسلام أهل مكة، وجدوا أن الأمور لم تتغير، فاختار بعضهم العودة إلى مكة بينما فضل الآخرون الاستمرار في الحبشة.

الهجرة الثانية إلى الحبشة

قدّر بعض الباحثين المعاصرين أن أحداث الهجرة الثانية إلى الحبشة وقعت في أواخر العام العاشر أو بداية العام الحادي عشر من البعثة. حيث ازدادت معاناة المسلمين وواجهوا المزيد من الأذى من قريش، مما دفع النبي صلى الله عليه وسلم لتوجيههم مرة أخرى للخروج إلى الحبشة. وكانت الهجرة تضم نحو 82 رجلاً و18 امرأة، من بينهم جعفر بن أبي طالب وزوجته أسماء بنت عميس.

بعد مغادرتهم، لم يتبق مع النبي صلى الله عليه وسلم سوى عدد قليل من المسلمين، وكان جعفر -رضي الله عنه- هو قائدهم في هذه الرحلة. وكانت هذه المجموعة تمثل تنوعاً من جميع فئات المجتمع المكي، حيث شملت الأغنياء والفقراء، رجال ونساء، وكبار وصغار، وهذا يعكس تأثير الدعوة رغم كل التحديات.

ملخص: كانت الهجرة الثانية إلى الحبشة نتيجة لتزايد معاناة المسلمين، حيث غادروا مكونين مجموعة تتكون من 82 رجلاً و18 امرأة، وذلك تحت قيادة جعفر بن أبي طالب.

أسباب الهجرة إلى الحبشة

تعذيب قريش للمسلمين

بعد مرور نحو خمس سنوات من الدعوة السرية، بذلت قريش قصارى جهدها لوقف هذه الدعوة. ومع ثبات الرسول وأصحابه، بدأ المسلمون يتعرضون لمزيد من الأذى. ورغم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان محمياً من قومه وعمه أبي طالب، إلا أن أذى قريش لم يبلغ النبي كما بلغ أصحابَه. ونتيجة لذلك، تلقى النبي الإذن بالهجرة، مما أتاح للصحابة فرصة للراحة ومواصلة دعوة الإسلام.

لهذا السبب، اختار النبي أرض الحبشة بسبب عدل حاكمها، وبهدف الحصول على فرج من الله. وقد كانت هذه الهجرة أول هجرة في الإسلام، حيث أطلق عليه اسم الحبشة بسبب سكانها الذين يُعرفون بالأحباش، وهي اليوم ممثلة بدولة إثيوبيا.

الحرص على حماية الإسلام

لقد كان المسلمون في حماية النجاشي، والنتائج التي تحققت من هذه الهجرة تعكس حكمة الرسول في إدارة شؤون قومه. يمكن تلخيص أسباب الهجرة في عدة نقاط:

  • الابتعاد عن الظلم الذي كانوا يتعرضون له.
  • تجنب الوقوع في الردة.
  • تعزيز الأنشطة التجارية.
  • الحصول على دعم من الأحباش في المجال العسكري.

لم تقتصر الهجرة على الأضعف والفقراء فقط، بل كانت تضم أيضاً أفراداً ذوي نفوذ وقوة، مثل عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف. وهذا يدل على أن الأسباب وراء الهجرة لم تكن ضعف المسلمين فقط، وإنما كانت أكثر تعقيداً. وقد اعتبر النبي الهجرة إلى الحبشة كأساسية مثل الهجرة إلى المدينة. فيما يلي بعض الأسباب التي دفعت النبي للسماح لأصحابه بالهجرة إلى الحبشة:

  • تزايد الأذى الذي يتعرض له المسلمون لدرجة جعلتهم يسألون النبي عن موعد النصر، مما جعله يشعر بالقلق على دينهم.
  • الحفاظ على الدعوة من الانهيار والخوف من تكوين قريش قوة ضدهم.
  • أهمية العلاقة الأسرية التي قد تسهل التفاهم مع قريش، بالرغم من وجود بعض العداوات.

الملخص: كانت هجرة المسلمين إلى الحبشة بسبب تعرضهم للأذى بشكل متزايد وضماناً لحماية دعوة الإسلام وتطويرها.

أسباب اختيار النبي للحبشة

فيما يتعلق باختيار النبي للحبشة كمكان للهرب، يمكن تلخيص الأسباب كالتالي:

  • انخفاض وجود القبائل العربية فيها مما يمنع قريش من تشكيل قوة ضد المسلمين.
  • شهرة ملك الحبشة، النجاشي، بعدله ومعرفته بالكتب السماوية، مما جعل المسلمين يشعرون بالأمان.
  • سكان الحبشة كانوا نصارى من أهل الكتاب، المعروفين بالقرب من المسلمين.
  • كونها منطقة آمنة وهادئة، بالرغم من بعدها عن مكة.
  • كان للخارجين من مكة العديد من العلاقات التجارية والاقتصادية المستقلة.
  • تبادلات الهدايا بين المسلمين والنجاشي كانت سبباً في توفير الحماية لهم.

اختار النبي هجرة أصحابه إلى الحبشة نظراً لقوتها وملكيها العادل، حيث كانت تعد بمثابة ملاذ آمن للمسلمين.

موقف قريش من هجرة المسلمين إلى الحبشة

عندما شعرت قريش بأن المسلمين بدأوا يستقرون في الحبشة، قررت إرسال شابين من بينهم إلى النجاشي من أجل إرجاعهم. وقد أرسلت قريش معهما العديد من الهدايا لدعم طلباته. وقدمت للنجاشي هدايا عديدة وحثته على إرجاع المسلمين. ولكن النجاشي رفض هذا الطلب وأصر على الاستماع للمسلمين قبل اتخاذ أي إجراء.

عندما استدعى النجاشي المسلمين وسألهم، قام جعفر بن أبي طالب بالرد على تساؤلاته، معرفًا بماضيهم في الجاهلية والحياة الجديدة التي يعيشونها في الإسلام. تأثر النجاشي بشدة عندما استمع إلى ما قرأه له جعفر من القرآن، وبهذا الشكل، رفض تسليم المسلمين للقريشيين، مما جعل قريش تشعر بالخيبة.

الموجز: على الرغم من محاولات قريش المتعددة لطرد المسلمين من الحبشة، إلا أن النجاشي رفض الطلب وشهد على موقفهم.

عودة المسلمين من الحبشة

استمرت فترة إقامة المسلمين في الحبشة بعد الهجرة الثانية حتى بعد غزوة خيبر. لم يكن بإرادتهم العودة، بل كانت بأمر من النبي -صلى الله عليه وسلم-. خلال هذه الفترة، تمت العديد من الغزوات المهمة. وعندما شعر النبي بثبات دولته، أرسل عمرو بن أمية إلى المهاجرين ليدعوهم للعودة.

بالفعل، عاد المسلمون إلى مكة بعد فترة طويلة من الأحداث التي مرت في غيبتهم، وذلك بأمر من النبي بعدما تأكد من قوة الدولة الإسلامية.

نتائج الهجرة إلى الحبشة

تتمثل أبرز نتائج الهجرة إلى الحبشة في:

  • كانت الهجرة خطوة استراتيجية فتحت أمام الدعوة الإسلامية آفاقاً جديدة، حيث استطاعت أن تتجاوز مكة.
  • ساهمت الهجرة في تعزيز إيمان المسلمين والثبات على دينهم.
  • ساعدت على نشر الإسلام في منطقة جديدة غير مكة.

منزلة المهاجرين إلى الحبشة

يحظى الصحابة الذين هاجروا إلى الحبشة بمكانة رفيعة في نظر الله -عز وجل-. وفي حديث بين أسماء بنت عميس وعمر بن الخطاب، أكد الأخير أن مكانتهم لا تنقص من مكانة من هاجروا إلى الحبشة. ولكن أسماء عبرت عن موقفها بأنهم واجهوا ظروفاً أصعب.

أجاب النبي -صلى الله عليه وسلم- أن كلاً منهم له هجرتان، مما زاد من سرور الصحابية المسيحية.

الخلاصة: كانت الهجرة إلى الحبشة ذات فوائد عديدة، وأهمية كبيرة في تاريخ الإسلام، حيث ساهمت في نشر الدعوة ورفعة مكانة المهاجرين.

Scroll to Top