المهموس: مفهومه وأهميته في اللغة العربية

تعريف الشعر المهموس

الشعر المهموس هو ذلك النوع من الشعر الذي يتميز بمشاعره الدفينة المعبرة عن الأحاسيس التي يحملها الشاعر. يتجلى صدق الشاعر في كلماته، مما يجعله مختلفًا تمامًا عن فن الخطابة. يأتي هذا النوع من الشعر بشكل تلقائي يفوق جهد الشاعر، إذ يُعبر من خلاله عن مشاعره العميقة دون وعي مسبق بأفعاله، ويكون مدفوعًا بغريزته لكتابة أدب يجسد لغة رقيقة وعذبة.

هذا الشاعر أو الأديب ينقل لك ما يهمس في داخله، محاولًا إثارَة مشاعر القارئ من خلال ألفاظ تحمل إحساسات دقيقة وصادقة، تقرب المتلقي من النص وتجعل له طابع الألفة والقرب. من أمثلة الشعر المهموس نجد شعر الملابسات، الذي يرتبط بأحداث سياسية أو اجتماعية معينة بفترة زمنية. وقد تميز شعراء المهجر بذلك النوع، ومن بينهم ميخائيل نعيمة وإيليا أبو ماضي.

نماذج من الشعر المهموس

إليكم بعض نماذج الشعر المهموس:

قصيدة “أخي” لميخائيل نعيمة

أخي، إن ضج بعد الحرب غربيٌّ بأعماله

وقدس ذكر من ماتوا وعظم بطش أبطاله

فلا تهزج لمن سادوا، ولا تشمت بمن دانا

بل اركع صامتاً مثلي بقلب خاشع دامٍ

لننعِ حظ موتانا

أخي، إن عاد بعد الحرب جندي لأوطانه

وألقى جسمه المنهوك في أحضان خلّانه

فلا تطلب إذا ما عدت للأوطان خلّانا

لأن الجوع لم يترك لنا صحباً نناجيهم

سوى أشباح موتانا

أخي، إن عاد يحرث أرضه الفلاح أو يزرع

ويبني بعد طول الهجر كوخاً هدّه المدفع

فقد جفت سواقينا وهدّ الذل مأوانا

ولم يترك لنا الأعداء غرساً في أراضينا

سوى أجياف موتانا

أخي، فقد تم ما لو لم نرغب نحن تمّ

وقد عم البلاء، ولو أردنا نحن ما عمّا

فلا تندب، فأذن الغير لا تصغي لشكوانا

بل اتبعني لنحفر خندقاً بالرفش والمعول

نواري فيه موتانا

أخي، من نحن؟ لا وطن ولا أهل ولا جار

إذا نمنا، إذا قمنا، ردّانا الخزي والعار

لقد خمنا بنا الدنيا كما خمّت بموتانا

فهات الرفش واتبعني لنحفر خندقاً آخر

نواري فيه أحياناً

قصيدة “يا نفس” لنسيب عريضة

يا نفس، مالك والأنين

تتألمين وتؤلمين

عذبت قلبي بالحنين

وكتمتِهِ ما تقصدين

قد نام أرباب الغرام

وتدثروا لحف السلام

وأبيتِ يا نفس المنام

أفأنت وحدك تشعرين

الليل مر على سواك

أفما دهاهم ما دهاك

فلم التمرد والعراك

ما سور جسمي بالمئتين

أطلقتِ نوحك للظلام

إياك يسمعك الأنام

فيظن زفرتك النيام

بوق النشور ليوم دين

يا نفس ما لك في اضطراب

كفريسة بين الذئاب

هلا رجعتِ إلى الصواب

وبدلتِ ريبك باليقين

أحمامة بين الرياح

قد ساقها القدر المتاح

فابتل بالمطر الجناح

يا نفس فما لك ترجفين

أو ما لحزنك من براح

حتى ولو أزف الصباح

يا ليت سرك لي مباح

فأعي صدى ما قد تعين

أسَبَتكِ أرواح القتام

فأرَتكِ ما خلف اللثام

فطمعتِ في ما لا يرام

يا نفس كم ذا تطمحين

أصعِدتِ في ركب النزع

حتى وصلتِ إلى الروبع

فأتاكِ أمر بالرجوع

أعلى هبوطك تأسفين

أم شاقك الذكر القديم

ذكر الحمى قبل السديم

فوقفتِ في سجن الأديم

نحو الحمى تتلفتين

أتأضعتِ فكراً في الفضاء

فتبعته فوق الهواء

فنأى وغلغل في العلاء

فرجعتِ ثكلى تندبين

أسلكتِ في قطر الخيال

درباً يقود إلى المحال

فحطَطتِ رحلك عند آل

يمتص ريَّ الصادرين

فنسيتِ قصدك والطلاب

ووقفتِ يذهلك السراب

وهرقتِ فضلات الوِطاب

طمعاً بماء تأملين

حتى إذا اشتد الأوام

والآل أسفر عن ركام

غيبتِ رأسك كالنعام

في رمل قلبي تحفرين

أعشقتِ مثلِكِ في السماء

أختا تحن إلى اللقاء

فجلستِ في سجن الرجاء

نحو الأعالي تنظرين

لوحتِ باليد والرداء

لتراكِ لكن لا رجاء

لم تدري أنك في كساء

قد حيك من ماء وطين

أتتحول دونكما حياة

لو كان يبلوها الإله

لبكى على بشرٍ بره

رحماً يصارعها الجنين

يا نفس أنت لك الخلود

ومصير جسمي للحود

سيعيث عينك فيه دود

فدعي له ما تنخرين

يا نفس هل لك في الفصال

فالجسم أعياه الوصال

حمّلتِه ثقل الجبال

ورذلته لا تحفلين

عطش وجوع واشتياق

أسف وحزن واحتراق

يا ويح عيشي هل تُطاق

نزعات نفس لا تلين

والقلب وا أسفي عليه

كالطفل يبسط لي يديه

هلا مددتِ يداً إليه

كالأمهات إلى البنين

غذيته مرّ الفطام

وحرمته ذوق الغرام

وصنعتِ شيخاً من غلام

يحبوا على باب السنين

فغدا كحفّار القبور

يئد العواطف في الصدور

ويبيت يهتف بالثبور

يشتكي إليك وتشمتين

أعمى تطا ينه الشجون

وجراحه صارت عيون

وبها يرى سبل المنون

فيسير سير الظافرين

حتى إذا اقترب المراد

تُطلى رؤاه بالسواد

ويعود مكفوفاً يُقاد

برنين عكاز الحنين

يتلمس النور البعيد

بأنامل الفكر الشريد

ويسيل من فمه النشيد

سيل الدماء من الطعين

أرأيت بيت العنكبوت

وذبابة فيه تموت

رقصت على نغم السكوت

ألماً فلم يغنِ الطنين

فكذاك في شرك الرجاء

قلبي يلذ له الغناء

ما ذاك شدواً بل رثاء

يبكي به الأمل الدفين

يا نفس إن حُمَّ القضا

ورجعتِ أنت إلى السما

وعلى قميصك من دما

قلبي فماذا تصنعين

ضحّيتِ قلبي للوصول

وهرعت تبغين المثول

فإذا دُعيتِ إلى الدخول

فبأي عين تدخُلين

Scroll to Top