الدولة الفاطمية
مع تراجع قوة الدولة العباسية وتزايد الاضطرابات في أرجائها، شهدت العديد من الولايات تمردات ضد الخليفة العباسي، خاصة في المناطق النائية عن مركز الدولة. وفي هذا الوقت، ظهرت فئة من المسلمين كانت تشكك في شرعية الخلفاء الراشدين، مدعية أن الحق في الخلافة يعود إلى علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-. انتشرت هذه الأفكار في المناطق البعيدة عن مركز الخلافة، لاسيما في بلاد المغرب العربي، حيث وصل دعاة هذه الحركة إلى مناطق البربر، واكتسبوا الآلاف من الأتباع المؤمنين بمبادئهم. وعلِم الخليفة العباسي بأمرهم، فأرسل جيشاً لمواجهتهم، ولكن انتصر عليهم.
قام “أبو عبد الله” الراعي الشيعي الرئيسي بجمع مؤيديه وتشكيل جيش، حيث اتجه نحو المغرب العربي بهدف إنقاذ جماعته. ونجح في اقتحام دولة الأغالبة، حيث سقطت عام 297هـ تحت قيادته، ودخل عاصمتها، مبايعاً عبيد الله الأمير. ثم واصل تقدمه حتى بلغ مدينة القيروان، والتي اتخذها عاصمة للدولة الفاطمية، مُلقباً نفسه بالمهدي أمير المؤمنين.
فتح مصر
تمكن القائد الفاطمي جوهر الصقلي من القضاء على دولة الأدارسة، ليصل جيشه إلى المحيط الأطلسي قبل أن يقتحم مصر عام 359هـ، وكان ذلك دون أي مواجهات مع المصريين. فقد اتخذ جوهر الصقلي تدابير لضمان إمدادات المياه عبر حفر الآبار على طول المسار، وأنشأ استراحات لراحة جيشه، بالإضافة إلى معاملته الحسنة للمصريين وضمان أمانهم على معتقداتهم، مما سهل عليه دخول مدنهم وضمها للدولة الفاطمية.
بعد مرور أربع سنوات على فتح مصر، انتقلت الخلافة الفاطمية إلى القاهرة في عام 362 هـ، حيث قام ببناء قصر للخليفة ومنازل للوزراء والجنود، لتشهد المدينة توسعاً وتطوراً في مرافقها العامة، ليزداد العمران فيها شيئاً فشيئاً.
الاستيلاء على بلاد الحجاز وبلاد الشام
مع استقرار الحكم في مصر وترسيخ قوة الجيوش الفاطمية، اتجهت أنظارهم نحو بلاد الحجاز، حيث اندفعت الجيوش الفاطمية نحو تلك الأراضي واحتلتها، بما في ذلك المدينة المنورة، لتصبح مكة والمدينة ضمن نطاق الحكم الفاطمي. لم تكتفِ الجيوش الفاطمية بذلك، بل تدخلت في بلاد الشام وضمّتها لحكمها، مما أعطى الدولة الفاطمية نفوذاً يمتد من الحجاز إلى بلاد الشام، مروراً بفلسطين ومصر، وصولاً إلى شمال إفريقيا حتى المحيط الأطلسي.
مع مرور الوقت، تفشى الغلو الديني بين الفاطميين، خاصة مع تولي خلفاء صغار السن زمام الحكم، حيث أُوكلت بعض الأمور الوزارية لوزراء من أديان مختلفة، مما أدى إلى انتشار الفساد في جميع أرجاء البلاد. وحصرت هذه الأوضاع الدولة، حيث بدأت الخلافات والاضطرابات الداخلية، مما أسفر عن تراجع الاقتصاد وزيادة الفقر، حتى وصلت الأمور إلى مجاعات حادة. ومع غزو الصليبيين لبيت المقدس وبعض المناطق الفلسطينية، استطاع صلاح الدين الأيوبي القضاء على الحكم الفاطمي في مصر وبلاد الشام عام 567 هـ، مما أدى إلى نهاية الدولة الفاطمية.