الموسيقى في الحضارة اليونانية
تتسم الحضارة اليونانية بثراء الفنون وجمالياتها، إذ يُعتبر اليونانيون من أكثر الشعوب اهتمامًا بالموسيقى على مر العصور. لم يقتصر هذا الشغف على المواطنين فحسب، بل كان يشمل أيضًا الحكومات التي اعتبرت تنظيم القواعد الموسيقية جزءًا أساسيًا من مسؤولياتها.
حظي الموسيقيون بمكانة مرموقة في المجتمع اليوناني، حيث تم وصف الأفراد المثقفين بأنهم “موسيقيوون”، في حين أُطلق على غير المثقفين صفة “غير موسيقي”. كانت الموسيقى عنصرًا فاعلًا في الحياة اليومية لليونانيين، حيث ارتبطت طقوسهم الدينية بالعبادات المخصصة لآلهتهم مثل “ديونيسس” و”أبلو”.
دور الموسيقى في حياة اليونانيين
خصص اليونانيون ترانيم خاصة لكل من آلهتهم، وكما تطورت الأمور، أصبح لديهم مدائح تعبر عن مشاعر متنوعة مثل أغاني الزواج، الحزن وفراق الأموات، ما يعكس أهمية الموسيقى في مختلف جوانب حياتهم.
برزت الأغنيات الحماسية، حيث اتقنوا تأدية أغاني الانتصار تماشيًا مع احتفالات الأبطال الرياضيين. كان يُعتقد أن أصل كلمة “موسيقى” ينتمي إلى الثقافة اليونانية، وقد كانت تشير إلى الفنون بشكل عام في ذلك الوقت.
الآلات الموسيقية في الحضارة اليونانية
أبدع اليونانيون في تطوير الآلات الموسيقية، ومن أهمها: آلات القرع، وآلات النفخ التي تشبه الناي، والناي المزدوج، بالإضافة إلى آلة البوق. وقد تميزوا بالعزف على الآلات الوترية، عبر شد الأوتار بأصابعهم أو باستخدام تقنية “المنقر”.
ربط الإغريق بين المقامات الموسيقية والحالات العاطفية، تمامًا كما يتم الربط اليوم بين السلالم الموسيقية المختلفة. ومن الجدير بالذكر أن هناك أبحاثًا حديثة استطاعت فك رموز النقوش الموجودة على الأحجار وورق البردي، مما أتاح اكتشاف الألحان القديمة.
كما تمكن الباحثون من استرجاع الألحان من تلك الآثار باستخدام جداول شاملة تعود للقرن الخامس الميلادي، بإشراف المؤلف “أليبيوس”، الذي وضع رموزًا تشير إلى الألحان الصوتية والآلاتية.
إسهامات الإغريق في مجال الموسيقى
تُعتبر إسهامات الإغريق في مجال الموسيقى بارزة، حيث ابتكروا القيم الرياضية المتعلقة بالأبعاد الموسيقية الميلودية التي تعتمد على الأساس الحسابي لنظرية الموسيقى، وكان لهم الفضل في الربط بين هذه القيم والظواهر الطبيعية والكونية.
يُعزى الفضل الأكبر في هذه الإنجازات إلى الفيلسوف “بيثاغوراس”، الذي وُلِد في جزيرة ساموس وعاش فترة طويلة في مصر، ثم استقر في مدينة كروتونا الإيطالية حيث أنشأ مدرسة مهمة للعلوم الرياضية. كانت رحلته في علم الصوت تهدف للوصول إلى صيغ رياضية تشمل كل القيم الفيزيائية.
تُشير المصادر إلى استخدامه لمطارق وسنادين بمقاسات متنوعة، أو آلة ذات وتر واحد مشدود إلى صندوق صوتي، حيث يرتكز الوتر على قنطرة خشبية متحركة تحدد طول الوتر ودرجة رنينه. وقد نشأت ثلاثة سلالم موسيقية إغريقية بفضل هذا الابتكار:
- السلم الدياتوني (المنتظم).
- السلم الكروماتيكي (الملون أو المنزلق).
- السلم المتعادل (الترادفي).