الجاذبيّة الأرضيّة
تعتبر الجاذبيّة (بالإنجليزية: Gravity) أحد العوامل الأساسية التي تلعب دوراً حيوياً في استمرار الحياة على سطح الأرض. فهي تساهم في الحفاظ على المسافة المستقرة تقريباً بين الأرض والشمس، والمعروفة بمدار الأرض. وبفضل هذه المسافة، تستفيد الكائنات الحية، خاصة الإنسان، من ضوء الشمس وحرارته، دون الخطر من الاحتراق أو التجمد. تعمل الجاذبيّة أيضاً كالقوة التي تمنع الأرض وبقية كواكب المجموعة الشمسية من الانفلات إلى الفضاء، حيث تبقيها في مداراتها حول الشمس، مما يشكل ما يُعرف بالمجموعة الشمسية.
تحظى الجاذبيّة الأرضيّة بأهمية خاصة، إذ تلعب دوراً رئيسياً في الحفاظ على الغلاف الجوي الضروري لعمليّة التنفس، كما تساعد في الاحتفاظ بحرارة الشمس بعد غيابها. وتعمل الجاذبيّة على تثبيت القمر في مدار ثابت حول الأرض. يمكننا أيضاً تفسير ظاهرتَي المد والجزر من خلال الجاذبيّة، حيث تلعب جاذبيّة القمر دوراً رئيساً في هذه الظواهر.
تعتبر الجاذبيّة سِمة عامة وليست حصرية على الأرض، بل هي خاصية تنطبق على جميع الأجسام التي تمتلك كتلة. ومن الجدير بالذكر أنه لولا الجاذبيّة لما تشكّل الكون كما نعرفه اليوم، إذ لعبت دوراً مركزياً في تجمع الجسيمات في بداية نشأة الكون، وأسهمت في تكوين النجوم والأجرام السماوية حتى يومنا هذا.
إسهامات نيوتن في دراسة الجاذبيّة
قدم السير إسحاق نيوتن العديد من الإسهامات القيمة في مجال الفيزياء، وأحد أهمها هو ما يُعرف بقانون الجذب العام، الذي قام نيوتن بتطويره أثناء دراسته للجاذبيّة.
نيوتن والجاذبيّة
ينص قانون نيوتن الثاني على:
القوة = الكتلة × التسارع.
في الحالات التي تكون فيها الحركة عموديةً على سطح الأرض، يساوي التسارع مقداراً ثابتاً، يُعرف بتسارع الجاذبيّة الأرضيّة والذي يعادل 9.81 م/ث^2. في مثل هذه الحالة، يتساوى مقدار القوة مع وزن الجسم. يُلاحظ أن هذا التسارع ليس ثابتاً في جميع الأماكن، بل يختلف بناءً على الارتفاع، مما يسمح لنا بمقارنة كتلتين مختلفتين من خلال قياسهما في نفس المستوى العمودي.
من المهم التذكير أن الكتلة فيما يتعلق بدراسة الجاذبيّة يُشار إليها بكتلة الجاذبيّة (بالإنجليزية: Gravitational mass)، وهي الكتلة التي تساهم في تحديد قوة الجذب بين جسمين، وتختلف هذه الكتلة عن الكتلة القصورية (بالإنجليزية: Inertial mass) التي تعكس مدى مقاومة الجسم للحركة. وتجدر الإشارة إلى أن هذا الاختلاف النظري بين الكتلتين ليس محل توافق بين جميع الفيزيائيين.
قانون الجذب العام
في عام 1687، نشر نيوتن عمله الشهير المتعلق بالجاذبيّة، ودرس البيانات المتعلقة بحركة القمر حول الأرض وحركة الكواكب، والتي كانت تمثل لغزاً لم يستطع أحد حله سابقاً. توصل نيوتن إلى استنتاج مفاده أن القمر ينبغي أن يستمر في حركته خطياً لولا تأثير قوة ما، مما يشير إلى وجود قوة ثابتة تحافظ على مدار القمر الدائري حول الأرض. وقد كانت هذه القوة مشابهة للقوة التي تعمل بين الشمس والكواكب وتحافظ عليها في مداراتها.
نشر نيوتن قانون الجذب العام، والذي ينص على: (توجد قوة تجاذب بين كل جسمين في الكون، تتناسب طردياً مع حاصل ضرب كتلتيهما، وعكسياً مع مربع المسافة بينهما). يُشار للنظام الرياضي لهذا القانون غالباً بقانون التربيع العكسي لنيوتن، حيث تتعلق القوة مع مربع المسافة بين الجسمين بشكل عكسي. يمكن صياغة هذا القانون رياضياً كما يلي:
ق = ج × (ك1 × ك2) / ف²
حيث إنّ ق تمثل القوة، ج هو ثابت الجذب العام بقيمة 6.673×10^-11 نيوتن.م²/كغ²، ك1 تمثل كتلة الجسم الأول، ك2 تمثل كتلة الجسم الثاني، ف تمثل المسافة بين الجسمين.
نيوتن والتفاحة
وُلِد إسحاق نيوتن عام 1642 بالقرب من غرانثم في إنجلترا، وبدأ دراسته في جامعة كامبردج عام 1661. بعد أربع سنوات، أُغلِقَت الجامعة بسبب تفشي الطاعون، مما دفع نيوتن للعودة إلى مزرعته في وولزثورب. هناك، بينما كان في بستانه، بحسب شهادة الشهود، سقطت تفاحة أمامه، مما ألهمه لوضع قانون الجذب العام.
مساهمة أينشتاين في دراسة الجاذبيّة
بعد أن أنهى ألبرت أينشتاين نظريته النسبية الخاصة في عام 1905، والتي درس فيها حركة الأجسام بسرعات قريبة من سرعة الضوء في أطر مرجعية تتحرك بشكل منتظم، أراد أينشتاين توسيع هذه النظرية لتشمل الأطر المتسارعة، ونجح في ذلك في نظريته النسبية العامة.
النظرية النسبية العامة
في عام 1916، نشر أينشتاين عمله في النظرية النسبية العامة، التي تستند إلى مبدأين رئيسيين:
- جميع قوانين الطبيعة هي ذاتها لجميع المشاهدين في أي إطار مرجعي، سواء كانت الحركة منتظمة أو متسارعة.
- في محيط أي نقطة، يعادل مجال الجاذبيّة تسارع الإطار المرجعي في غياب آثار الجاذبيّة، وهو ما يُعرف بمبدأ التكافؤ.
يمكن فهم مبدأ التكافؤ من خلال تجربة بسيطة: إذا كان لدينا مراقب داخل صندوق على الأرض، فسيشعر بتسارع السقوط الحر (ج=9.81 م/ث²) ويمكنه قياسه إذا قام برمي أي شيء من يده. بينما إذا كان هذا المراقب داخل صندوق في الفراغ بعيداً عن مصادر الجاذبيّة وتم سحب الصندوق لأعلى بتسارع يمثل السقوط الحر، فلن يستطيع المراقب معرفة ما إذا كان على الأرض أم تم سحبه، مما قاد أينشتاين إلى استنتاج التكافؤ بين الجاذبيّة والتسارع.
النسبية العامة والجاذبيّة
اقترح أينشتاين فكرة توحيد الأبعاد المكانيّة مع البعد الزماني، مما أدى إلى مفهوم الزمكان (الزمان – مكان) الذي نعيش فيه. وفي هذا الإطار، يظهر تأثير الجاذبية في شكل انحناء في الفضاء رباعي الأبعاد. لا يمكننا إدراك هذا الانحناء إلا كظاهرة الجاذبيّة، وقد جاء مفهوم الانحناء من تصوير حركة الأجسام في الزمان والمكان. ينبغي ملاحظة أن الجسم غير المتسارع سيكون تمثيله خطياً. لذلك يمكننا اعتبار هذا الانحناء بمثابة سبب الجاذبيّة بدلاً من التسارع.
وبهذا، أصبح من الواضح أن المفهوم الحديث للجاذبيّة يعادل التسارع، وأن الجاذبيّة تسبب انحناءً في نسيج الزمكان، مما يؤدي إلى بقاء الأجسام داخل هذا الانحناء. على سبيل المثال، يدور القمر حول الأرض لأنه قريب من الانحناء الناتج عن الأرض في نسيج الزمكان، وتمتد الجاذبيّة من خلال هذا الانحناء لتشمل جميع الأجسام.