قوم عاد
يُعتبر قوم عاد من العرب العاربة، وقد كانوا في عصرهم من أقوى الأمم وأكثرها عظمة، مما أدى بهم إلى الطغيان والتجبّر وعبادة الأصنام. قال الله تعالى في سياق ذلك: (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً). يعود نسبهم إلى عاد بن إرَم بن عوص بن سام بن نوح عليه السلام، وهو أول من عبد الأصنام بعد دعوة نوح عليه السلام. عندما تمسّكوا بهذه العبادة، أرسل الله إليهم هوداً عليه السلام ليهديهم ويُنذرهم من عواقب أفعالهم. وكانوا يسكنون مدينة تُدعى إرم، وقد ذُكرت في القرآن بقوله: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ*إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ*الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ).
حقق قوم عاد مستوى عالٍ من التقدم العمراني، حيث كانت منازلهم مشيدة بطرق فريدة ومذهلة، وكانت أراضيهم تزخر بالجنات الخضراء التي ترعى فيها المواشي. نتيجة لذلك، ازدهرت ثرواتهم وزاد عدد أبنائهم، كما ذكر الله: (أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ*وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ). على الرغم من النعم العديدة التي أنعم الله بها عليهم، فإنهم عاشوا حياة من الترف والانغماس في الماديات، حيث كانوا يتفاخرون ببنيانهم ويعمدون إلى بناء الأبراج العالية للتفاخر وخلد اسمهم في التاريخ. وبالرغم من كل ما وهبهم الله، اختاروا الطغيان بالإشراك به وعبادة الأصنام، وعانت مجتمعاتهم من الظلم، مما استدعى إرسال الله لهود عليه السلام ليُعلّمهم توحيد الله ويحذرهم من عاقبة فعلتهم. لكنهم كذّبوه واستمروا في عنادهم.
عذاب قوم عاد
عندما جحد قوم عاد رسالة نبيهم ورفضوا الالتزام بدعوة الله، كما ذكر القرآن الكريم: (وتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)، أراد الله أن يُذيقهم عذابه. جاء عذابهم عن طريق الريح، حيث منع الله عنهم المطر لفترة حتى جفّت أراضيهم. وعندما جاءتهم سحابة قربتهم، اعتقدوا أنها مطرٌ غزير، فقالوا: (هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا)، بينما كانت تلك السحابة عذاباً. وقد بين الله ذلك بقوله: (بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ).
انقضت عليهم تلك الريح القاسية، فقد سلطت عليهم لمدة سبع ليالٍ وثمانية أيامٍ متواصلة، لم تتوقف لحظة واحدة، وكانت شديدة البرودة وصوتها مرعباً. وقد وصفها الله بأنها (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا) و(مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيم). عانت قوم عاد بشكل مروع من هذا العذاب، فقد أهلك كل شيء، حتى أن الرجل منهم كان يُحمل عالياً ثم يُقذف على رأسه. وبذلك أصبحوا كما وصفهم الله: (فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ)، وهكذا انقرضوا ولم يتبقَ منهم أحد، وبقيت مساكنهم خالية لا يُرى من أثرهم سوى الأطلال، مما قال الله تعالى: (فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ)، وكانت نهايتهم لعنة في الدنيا وفي الآخرة، ليكونوا عبرة للأمم التي تَلَتْهم.
دروس وعِبَر من قصة قوم عاد
تحتوي قصة قوم عاد ونبيهم هود عليه السلام على العديد من العبر والدروس القيمة، منها:
- ضرورة التوكل على الله والاعتماد عليه، كما فعل نبي الله هود عليه السلام عندما واجه تكذيب قومه ورفضهم، ففوض أمره إلى الله طالباً العون.
- لا يغفل الله عن الظالمين أبداً، بل يمهلهم حتى يحين وقت العقاب.
- قد يتأخر نصر الله للمؤمنين، ولكنه يأتي في وقته المناسب حسب حكمته.
- النصر يأتي بالصبر والتأني، ولا بد من معاناة تسبق الفرح.
- طلب النصر من الله هو مسار الأنبياء، كما فعل هود بعد تكذيب قومه بقوله: (رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ).
- التوبة والاستغفار إلى الله تفتح الأبواب للأمن والرخاء، كما ذكر هود لقومه: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ).
- مهما كانت قوة الإنسان أو جبروته، لا يمكنه منع عذاب الله.