توضيح الفروق بين المذاهب الإسلامية الأربعة

تباين المذاهب الأربعة في الفقه الإسلامي

تعتبر المذاهب الأربعة الأبرز في الفقه الإسلامي، وقد أسسها مجموعة من الأئمة المجتهدين الذين حظوا برعاية الله في الحفاظ على الدين. وقد حظيت هذه المذاهب بقبولٍ واسع من الأمة الإسلامية، بحيث أصبحت تعتمد عليها في إصدار الفتاوى وتكون مرجعاً في المحاكم الشرعية. وقد نهل العلماء من هذه المذاهب في الجامعات والمعاهد الإسلامية.

تتجلى الفروق بين المذاهب الأربعة في تنوع الآراء والتفسيرات، وهو ما لا يمكن إنكاره. فالناس يختلفون في فهمهم وإدراكهم، ولنا في الصحابة -رضوان الله عليهم- أسوة، حيث تباينت آراؤهم في تفسير ما أراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عندما أمرهم بعد غزوة الأحزاب بالتوجه إلى بني قريظة.

قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في يوم الأحزاب: “لا يُصَلِّيَنَّ أحَدٌ العَصْرَ إلَّا في بَنِي قُرَيْظَةَ”، فبعضهم أدرك العصر في الطريق، فقال بعضهم: “لا نُصَلِّي حتى نصل إليها”، بينما رأى آخرون أنه يجب عليهم الصلاة أولاً. وعندما أُبلغ النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك، لم يوبخ أيًا منهم.

كما يقول الزركشي: “إن الله -تعالى- لم يُنزل على جميع الأحكام الشرعية أدلة قاطعة، بل جعلها ظنية لتوسيع المجال للمكلفين، حتى لا تُحصر الفتوى في مذهب واحد”. وتعدد الآراء في المذاهب الأربعة ناتج عن عدة عوامل، من أهمها:

  • تباين الآراء في فهم آيات القرآن الكريم، وذلك لأن بعض نصوصه تحتمل معاني متعددة.
  • اختلاف الفهم في السنة، حيث يتفق الأئمة الأربعة على ضرورة الأخذ بالسنة، لكن قد يختلفون في وصول بعض الأحاديث إليهم أو في ثبوت صحتها.
  • اختلاف الآراء حول مصادر الاجتهاد، ففي حال عدم وجود نصوص يتم اللجوء إلى الاجتهاد، وبعض الفقهاء يعتبر القياس وسيلة للاجتهاد.
  • تباين الآراء بشأن أسس الإجماع، حيث يتفقون على ما هو معلوم من الدين بالضرورة، لكنهم يختلفون في تفاصيل وقوع الإجماع.

تعريف المذاهب الفقهية

مصطلح المذاهب الفقهية ظهر في القرن الرابع الهجري، ويشير إلى نظرية الفقهاء في استنباط أحكام الشريعة، وكيفية الاستدلال، والفروع التي تضاف في سياق أصول المذهب. فيما يلي أسماء المذاهب الأربعة:

  • المذهب الحنفي: إمامه أبو حنيفة النعمان بن ثابت (توفي عام 150هـ)
  • المذهب المالكي: إمامه مالك بن أنس (توفي عام 173هـ)
  • المذهب الشافعي: إمامه محمد بن إدريس الشافعي (توفي عام 204 هـ)
  • المذهب الحنبلي: إمامه أحمد بن حنبل (توفي عام 241 هـ)

يجدر بالذكر أن هناك العديد من المذاهب الفقهية الأخرى مثل مذهب الأوزاعي، والليث، والثوري وأبو ثور والطبري وغيرهم، لكنها لم تعد تحظى بالانتشار الذي تلقته المذاهب الأربعة، كما أشار الإمام الذهبي في كتابه “سير أعلام النبلاء”.

أسباب استمرارية المذاهب الأربعة

تأسست هذه المذاهب لتيسر على المسلمين فهم أحكام دينهم، وتلبية لاحتياجات الزمن الحديث. كان هؤلاء الأئمة الأعلام يتبعون كتاب الله وسنة نبيه مخلصين في ذلك.

كما أن معظم الدول لا تخلو من هذه المذاهب، مما يدل على قبول الأمة لها. ومن الأسباب الرئيسية التي تساهم في استمرارية هذه المذاهب وانتشارها:

  • وجود تلاميذ نجباء:

هؤلاء هم الذين قاموا بتوثيق ونشر المذهب، مما ساهم في جعله مستمراً. كما قام بعضهم بتطبيق المذهب على المستجدات الشرعية.

  • تمذهب الدولة:

لا شك أن دعم الدولة لمذهب من المذاهب يسهم في استمرارية انتشاره، من خلال تعيين القضاة والمفتين من فقهاء هذا المذهب.

  • المدارس الفقهية:

إن اهتمام المذاهب بإنشاء المدارس الفقهية لتعليم هذا المذهب كان له تأثير كبير على بقائه وانتشاره.

  • الأوقاف على فقهاء المذهب:

كانت عناية بعض المسلمين بوقف الأموال على خدمة المذاهب عاملاً مهماً في استمرارها.

  • تواجد المذاهب في مختلف المناطق:

توزع المذاهب عبر البلدان ساهم في الحفاظ عليها على مر الزمن.

Scroll to Top