فهم الفلسفة التجريبية من خلال أعمال جون لوك وديفيد هيوم

الفلسفة التجريبية: رؤية جون لوك وديفيد هيوم

تبلورت الفلسفة الحسّية بمفهومها التجريبي خلال العصور الحديثة، حيث قدم الفيلسوف الإنجليزي جون لوك رؤيته المبتكرة، تلاه الفكر الفلسفي للاسكوتلندي ديفيد هيوم الذي أجرى تطورات عليه. في السطور التالية، نوضح مظاهر الفلسفة التجريبية من وجهتي نظر جون لوك وديفيد هيوم.

جون لوك

تحدى لوك المفاهيم والافتراضات الفطرية، متبنيًا فكرة أن المعرفة والخبرة تتشكل من التجربة الحسية. وكان يرى أن العقل يولد كصفحة بيضاء، خالية من الأفكار، وأن الإنسان يملأ هذه الصفحة بالمعارف التي يستقيها عبر حواسه من العالم الخارجي.

وسع لوك نطاق فهمه لمصادر المعرفة، حيث رأى أن التجربة الحسية تنقسم إلى نوعين رئيسيين: الفكرة المستمدة من الحواس، والفكرة الناتجة عن التأمل. وبذلك أصبح لوك مؤسسًا للمذهب التجريبي في الفلسفة الحديثة.

شرح لوك كيف أن الأفكار المستندة إلى الحواس هي ناتج لتأثير الحواس الخمس، والتي تنقل المعلومات إلى مراكز الإحساس في الدماغ، مما يؤدي إلى تكوين أفكار تعكس الخصائص الحسية للأشياء، مثل اللون، والطعم، والشكل، والرائحة.

فيما يتعلق بالفكر الناتج عن التأمل، أكد لوك على أهمية العمليات العقلية التي تعتمد على التفكير والتأمل في الأشياء وربطها بالإحساس، مما يؤدي إلى تكوين مفاهيم جديدة. وبالتالي، فإن مصدر المعرفة وفقًا له يعتمد بشكل رئيسي على التجربة الملاحظة، سواء كانت خارجية أو داخلية.

ديفيد هيوم

انطلق هيوم في تحليله من حيث تأكيد دور الإدراكات البسيطة الناتجة عن تأثير العالم الخارجي. قسم هذه الإدراكات إلى قسمين: الآثار أو الانطباعات الحسّية والأفكار. على الرغم من أن هيوم يعتبرهما وجهين لعملة واحدة، إلا أنه ينظر إلى الاختلاف بينهما من حيث درجة التأثير على العقل.

وفقًا لهيوم، تعمل الآثار الحسية كقوى أقوى على العقل، حيث تتميز بالوضوح والتنبه. بينما الأفكار تمثل نسخًا باهتة للتأثيرات الحسّية، وقد فقدت قوتها وأصبحت صورًا ذهنية، كما وصفها.

باختصار، يرى هيوم أن الأثر الحسي يعد المعيار الأساسي الذي يقاس به صدق الأفكار، مما يعني أن الفكرة تكون مجرد وهم إذا لم يكن لها أثر حسي ثابت.

تعريف الفلسفة التجريبية

تعرف الفلسفة التجريبية بالفلسفة الحسّية أو النظرية الحسّية، وتعتبر من أقدم الأفكار الفلسفية. سُميت بذلك لأنها تنطلق من فرضية أن المدارك الحسية هي المصدر الوحيد للمعرفة، مما يعني أن كل معرفة يكتسبها الإنسان ثمرة لتجارب حسية مباشرة. لذا، فإن الخبرات التي يكوّنها الإنسان عبر الزمن تتحقق من خلال حواسه الخمس.

استند مصطلح التجريبية إلى مفهومين رئيسيين: الأول يتعلق بأن المهارات المكتسبة تأتي من الخبرات العملية والتجريبية المعتمدة على الحواس بدلاً من التعليم النظري. الثاني يناقش أهمية تجريب جميع الفرضيات والنظريات بدلاً من الاعتماد على الملاحظات والأفكار المسبقة. ومن هنا، فإن الفلسفة التجريبية تنفي مبدأ الأفكار الفطرية التي لا تستند إلى الاختبار والتجربة.

Scroll to Top