تعريف المفارقة في المقامة الحلوانية
تتجلى المفارقة في المقامة الحلوانية من خلال تنويعات متعددة، كما يظهر ذلك في قول ابن هشام عن الحجّامين: “وما لبث أن دخل الأول، فحيّا أخدع الثاني بمضمومة قعقعت أنيابه”. هنا، يُستخدم تعبير التحية، الذي يمثل السلام والمودة، لتقعّد في واقع الأمر على إقباله على الحجّام الثاني بهدف الاعتداء عليه.
تظهر المفارقة أيضًا في تعبير صاحب الحمام لابن هشام بقوله: “اسكت يا فضولي”. بدلاً من توجيه اللوم للحجامين المتخاصمين على رأسه، أخذ يُخاطب أحدهما قائلًا: “يا هذا، إلى متى ستستمر هذه المنافسة مع الناس؟”، ثم يتابع بانتقاده لابن هشام ليحسم الجدل بينهم بقوله: “تسلّ عن قليل خطره إلى لعنة الله وحر سقره، وهب أنّ هذا الرأس ليس، وأنّا لم نرَ هذا التيس”.
تتبلور المفارقة أيضًا في رد ابن هشام قائلاً: “يا عافاك الله هذا رأسي، قد صحبني في الطريق، وطاف معي بالبيت العتيق وما شككت أنه لي”. على الرغم من انتقاده في البداية لمن يقترب من الحجامة، إلا أنني منه يتظاهر بالثرثرة، مع أنَّه في بداية المقامة قد نصح غلامه بأن يختار حجامًا غير فضولي.
عند مراجعة أسلوب ابن هشام في توصيته للغلام بأن يُحضر له “حمام واسع الرقعة، نظيف البقعة، طيب الهواء معتدل الماء، وليكن الحجام خفيف اليد حديد الموسى نظيف الثياب قليل الفضول”، نجد أن إسهابه يعكس بعضًا من الفضول الذي نأى به عن الحجام.
المفارقة في اختيار الغلامين للحجام
عند وجوده مع الحجام، اختار الغلام الأول الفضولي رغم أن ابن هشام قد أوصاه بحجام يتمتع بنظافة الثياب وقلة الفضول. أما بالنسبة للحجام الذي اختاره الشخص الآخر والذي نال إعجاب ابن هشام في نهاية المقامة، فقد كان مصابًا بهذيان.
يتضح أن ابن هشام عند رغبته في العثور على حجام غير فضولي جاءه من هو ثقيل اليد، وبعد تلك التجربة المرهقة، ورد في نص المقامة: “وقلت لآخر اذهب فأتني بحجام يحط عني هذا الثقل فجاءني برجل لطيف البنية مليح الحلية في صورة الدمية”. ومن هذا الوصف، يبدو أن الحجام الآخر كان خفيف اليد، لكن ابن هشام لم يهتم بموضوع قلة الفضول ليستنتج في نهاية المطاف هذيانه الشديد.
تعريف المفارقة
المفارقة هي أسلوب بلاغي يعتمد على التباين، حيث يكشف المعنى الخفي من خلال تضاده مع المعنى الظاهر. يتطلب هذا الأسلوب جهدًا لغويًا وتفكيراً عميقًا للوصول إلى التعريفات الحقيقية وكشف العلاقة بين المعنى الظاهر والخفي في النص. يمكن تصنيف المفارقات إلى نوعين:
- مفارقة اللفظ.
- مفارقة الموقف أو السياق.
أهمية المفارقة
تكتسب المفارقة أهمية كبيرة في القصص، حيث تتضمن الصراع والتضاد بين العناصر، مما يبرز الجوانب السلبية والإيجابية لكل شيء. تعكس المفارقة الازدواجية في الحياة وتظهرها بشكل فكاهي، مما يمكّن القارئ من استيعاب المفاهيم العميقة للنص وتأمل الوجود من منظور فلسفي.