حكم العمل في البنوك: لا تَكاد تجد قضية من القضايا المالية المعاصرة أثارت جدلاً مثلما أثارتها قضية حكم العمل في البنوك، وما تضمنته من حيثيات ونقاشات، حيث يسعى كل طرف لتقديم حجته والتأكيد على موقفه.
في هذا المقال، سنقوم بعرض مختلف الآراء حول هذه القضية، كونها واحدة من القضايا المستحدثة التي لم يُفصَل فيها رأيٌ قاطع، ولم تُثبت بحكم أو بسنة، بل كان القياس والاستنباط هما العنوان الأبرز فيها.
حكم العمل في البنوك
- بالنسبة لموضوع العمل في البنوك الربوية، أي تلك التي تُقدم فوائد نقدية على الأموال المدخرة، فإن العمل في هذه البنوك يُعتبر محرمًا، وهو ما يراه معظم أهل العلم في الوقت الراهن.
- ويستند هؤلاء إلى مقولة إن ذلك يُعَد تعاونًا على الإثم والعدوان، وهو الأمر الذي نهى عنه الله سبحانه وتعالى، حيث قال: “وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثمِ وَالْعُدوانِ”.
- وتشمل هذه الحرمة جميع الأعمال التي تُعزز وجود هذه البنوك، كأعمال الحراسة والكتابة والشهادة والصرافة وغيرها من الأنشطة.
- كما يرون أن العمل في تلك البنوك يُعتبر بمثابة رضا عنها، والرضا عن الحرام محرم، فالشخص الذي يُودع أو يستقبل الأموال في هذه البنوك يُعتبر شريكًا في الإثم.
- وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه لعن آكل الربا، وموكله، وشاهديه، وكاتبه، فقال: هم سواء.
حكم العمل بالبنوك لابن باز
- أفادت فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء في المملكة العربية السعودية، التي يُعتبر العلامة عبد العزيز بن باز رئيسًا لها، بأن العمل في البنوك محرم قطعًا، من أي جانب، ولا يوجد مبرر لإباحته؛ لكونه يُعزز الربا والفساد في الأرض.
- استندت اللجنة في فتواها إلى ما رواه جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- بأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَه وشاهده وكاتبه”، وهذا الحديث رواه البخاري ومسلم.
- لذا، فإن ليس آكل الربا فقط هو الملعون، بل كل من أعان على انتشار الربا وعمومه، ومنهم الكاتب والموكل والشاهد وغيرهم.
- يُعتبر رأي العلامة ابن باز من أقوى الآراء في هذا المجال، وهو معتمد في الكثير من هيئات الإفتاء المعترف بها في العديد من الدول العربية والإسلامية.
حكم العمل بالبنوك لابن عثيمين
- عند تعرض الشيخ ابن عثيمين لسؤال حول حكم عمل الشخص في البنوك الربوية، مهما كان موقعه (سائق، حارس، كاتب)، كانت إجابته أن هذا العمل محرم شرعًا.
- ويُعتبر هذا الرأي من وجهات نظر عدد كبير من أهل العلم، حيث يُعطي أهمية كبيرة للتحقق في مسائل الحلال والحرام.
- وقد قاس الشيخ فتواه على أن العمل في البنوك الربوية يُشجّع على المعاملات المالية المُحرمة، وهذا يتفق عليه الجمهور، وهو مدعوم بالنصوص الشرعية.
- لا شك أن التشجيع على الربا يتضمن آثامًا وفسادًا كبيرًا، فالتعامل مع من ينتهجون الغش والاحتيال يُعتبر أمرًا محرمًا.
حكم العمل لدى البنوك للشيخ خالد المصلح
- حققت بعض آراء الشيخ خالد المصلح شعبية في مسألة حكم العمل في البنوك، حيث ميز بين طبيعة الأعمال المرتبطة بالبنوك.
- فإذا كانت طبيعة العمل تُعزز الربا المحرم، كما في المحاسبة والإيداع، فهي محظورة.
- لكن إن كانت طبيعة العمل لا تتصل مباشرة بالأنشطة البنكية، مثل خدمة العملاء أو الحراسة، فلا حرمة فيها.
- كذلك، إذا كان العمل يُعنى بتحويل أموال لجهات أخرى، مثل دفع الأموال للجامعات، فلا يُعتبر ذلك محرماً.
حكم العمل في البنوك للقرضاوي
- توقف الشيخ القرضاوي عند حد الحرمة المذكورة في حديث لعنة آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهده، قائلاً إنه إذا كانت الأعمال المرتبطة بالبنوك بعيدة عن تلك المنهي عنها، فلا بأس من العمل فيها.
- بل إنه يُرحب بالعمل في البنوك حتى الربوية منها في حالات الضرورة.
- استند في ذلك إلى أن تناول لحم الميتة جائز عند الحاجة، فقال: “فإذا كان الإنسان مُعرضًا للهلاك ولم يجد إلا لحم الميتة، جاز له تناوله.”
- فإذا كان الإنسان قادرًا على العثور على عمل بديل، وجب عليه ترك العمل في البنوك الربوية.
حكم العمل بالبنوك للشيخ الشعراوي
- توجه الإمام الشعراوي برأيه الواضح في قضية حكم العمل في البنوك بتصنيفها إلى قسمين: قسم يتعامل بالفوائد الربوية وقسم يُراعي ضوابط الشريعة.
- فإذا كانت الأعمال في قسم الربا، فلا يجوز العمل فيها. أما الأعمال التي لا تتصل مباشرة بالمعاملات الربوية، كالحراسة، فلا حرج فيها، لكن يُفضل البحث عن الحلال.
- في حال عدم وجود فرص أخرى للعمل، فيضر بالمحتاج، يمكن العمل تحت بند الضرورات.
- مع العلم أن العمل في البنوك المُتوافقة مع الشريعة لا يُعَد مُحرماً، بل يُعتبر تشجيعًا على النمو وتقليل البنوك الربوية.
- على الرغم من ذلك، يُفتح باب للتحجج والعمل في البنوك الربوية بحجة الاضطرار، مما قد يؤدي إلى التكاسل في السعي لاختيار بدائل أفضل.