الهجرة إلى يثرب
تمثل الهجرة النبوية من مكة المكرمة إلى يثرب، المعروفة بالمدينة المنورة، حدثًا مصيرياً وضرورة ملّحة، خصوصاً مع تزايد الأذى الذي تعرض له النبي، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه الأجلاء. إذ قام أهل مكة المشركون بتكذيب رسالة النبي، عليه الصلاة والسلام، وبدأوا في معاندته، ونعته بالساحر والمجنون، بهدف صد الناس عن سبيل الله والإيمان برسالة النبي الخالدة.
على الرغم من ذلك، كان النبي عليه الصلاة والسلام يسعى لدعوة الناس خوفًا عليهم من عقاب الله، ورغبةً في دخولهم في دين التوحيد وترك عبادة الأصنام التي لا تُجدي ولا تنفع. ومع مرور الوقت، لم يقتصر من آمن معه إلا على قلة، وفي هذا المقال سوف نتحدث عن الهجرة إلى المدينة المنورة، أو ما تُعرف بيثرب، قبل هجرة النبي، عليه الصلاة والسلام، إليها.
ما قبل الهجرة إلى يثرب
بعدما لاحظ المشركون من أهل مكة أن دعوة النبي عليه الصلاة والسلام بدأت تنتشر على الرغم من اضطهادهم وقمعهم، اجتمعوا في دار الندوة لتدبير ما يسمى بالتصفية لهذه الدعوة من خلال اغتيال النبي عليه الصلاة والسلام. لكن هيهات لهم ذلك، فهو رسول الله الذي عصمه الله من الناس. وبعد هذا الاجتماع الآثم، اتفقوا على ضرورة قتله، وذلك بأن يشارك في قتله شباب من قبائل متعددة، حتى يتشتت دم النبي الشريف بينهم كما يزعمون.
وأثناء محاولة تنفيذ هذه الخطة، حفظ الله تعالى نبيه وأوحى له بالهجرة، فخرج من بيته والرجال حوله لا يرونه بأمر الله، متوجهًا نحو أرض الهجرة برفقة أبو بكر الصديق، رضي الله عنه.
خلال رحلة الهجرة، أقام النبي عليه الصلاة والسلام وصاحبه أبو بكر الصديق في غار ثور لمدة ثلاث ليالٍ، وهو الغار الواقع بين مكة والمدينة، وذلك حتى ينقطع الطلب من مشركي أهل مكة الذين ثاروا غيظاً عند علمهم بنجاة النبي.
كما قدم المشركون مكافآت ضخمة لمن يأتي به عليه الصلاة والسلام، مما دفع سُراقة بن مالك للاحتجاج، الذي استطاع اللحاق بالنبي، عليه الصلاة والسلام. ولكن الله أراه معجزة تثبت عصمته، حينما غاصت حوافر فرسه في الأرض كلما حاول الاقتراب من رسول الله، فعرف بعد ذلك أنه رسول معصوم وأنه لن ينال منه، فقرر العودة إلى مكة.
بعد الهجرة إلى يثرب
وصل النبي، عليه الصلاة والسلام، إلى المدينة المنورة وسط احتفالات أهل المدينة من الأنصار الذين بايعوه على النصرة في أيام العقبة، حيث استقبلوه بحفاوة تضاهي استقبال الملوك، وكانوا بحق يستحقون حسن الاستقبال، رضي الله عنهم أجمعين.
عند وصوله إلى المدينة المنورة، بدأ النبي عليه الصلاة والسلام في تأسيس قواعد الدولة الإسلامية، حيث أنشأ المسجد الذي يُذكر فيه اسمه، ويُدعى فيه إلى الجهاد، ويقضى فيه بحوائج الناس، ويتعلم فيه الناس أمور دينهم.
كما قام النبي عليه الصلاة والسلام بعد الهجرة إلى المدينة بتنظيم علاقات الناس من مختلف الأطياف من خلال وثيقة اجتماعية تنظيمية تحافظ على الحقوق وترعى الكرامات، لذا تعتبر هذه الهجرة النبوية لمحمّد، عليه الصلاة والسلام، استكمالاً لسنة الأنبياء من قبله في الانتقال من ديارهم إلى حيث شاء الله.