النابغة الجعدي
يعتبر النابغة الجعدي شاعراً جاهلياً مخضرماً، ويدعى عبدالله بن قيس بن ربيعة. ويشار أحيانًا إلى أنه كان يحمل اسم حبّان بن قيس ولقب أبو ليلى. وقد عاصر الإسلام، وعاش عمراً طويلاً. يُعزى لقب النابغة الجعدي إلى أنه تفوق في نظم الشعر بعد سنوات طويلة من المحاولة، وقد أبدع في مجالات شعرية متنوعة من مدح وفخر وهجاء ووصف.
عاش النابغة الجعدي في زمن الجاهلية وكذلك في العصر الإسلامي، مما يجعله واحداً من الشعراء الذين شهدوا هذين العصرين. يُذكر أنه عاصر عبد الله بن الزبير وتوفي في السنة الخامسة والستين للهجرة. وتشير بعض الروايات إلى أنه عاش في فترة حكم الملك المنذر بن محرق والد النعمان بن منذر.
شعر النابغة الجعدي
أنتج النابغة الجعدي مجموعة من الأبيات الشعرية في فنون متنوعة، حيث تأثر بمذهبين رئيسيين. الأول هو المنهج الجاهلي الذي جسد ألفاظاً قوية وصوراً تعكس الحياة البدوية في ذلك العصر. أما الثاني فهو تأثير المعاني السامية في الإسلام، مما أسهم في تشكيل ديوانه الشعري الذي يحتوي على العديد من المقطوعات والقصائد في أساليب شعرية متعددة.
النابغة الجعدي وشعر المدح
كان النابغة الجعدي معروفًا بموهبته في مدح الملوك والأمراء، ومن بين أشهر قصائده مدح ملوك الحيرة، حيث استذكر أيامه مع المنذر بن محرق:
تَذَكَّرتُ والذِّكرى تَهِيجُ لِذي الهَوى… وَمِن حاجَةِ المَحزونِ أَن يَتَذَكَّرا
نَدَامايَ عِندَ المُنذِرِ بنِ مُحَرِّقٍ… أَرَى اليَومَ مِنهُمُ ظَاهِرَ الأَرضِ مُقفِرا
كُهولاً وَشُبّاناً كأَنَّ وُجُوهَهُم… دَنَانِيُر مِمّا شِيفَ فِي أَرضِ قَيصَرا
وعندما زار النابغة الجعدي نجران، مدح ملكًا من آل جفنة مُشيرًا إلى وراثته للمجد من عائلته، ومن تلك الأبيات:
وَمَا زِلتُ أَسعَى بَينَ بابٍ وَدارَةٍ… بِنَجرانَ حَتّى خِفتُ أَن أَتَنَصَّرا
لَدَى مَلِكٍ مِن آلِ جَفنَةَ خاَلُهُ… وَجَدَّاهُ مِن آلِ اِمرىءِ القَيسِ أَزهَرا
يُدِيرُ عَلَينا كَأسَهُ وشِواءَه… مَناصِفُهُ وَالحَضرَمِيَّ المحبَّرا
حَنِيفاً عِرَاقِيّاً وَرَيطاً شآمِياً… وَمُعتَصِراً مِن مِسكِ دارينَ أَذفَرا
وَتِيهٍ عَلَيها نَسجُ رِيحٍ مَرِيضَةٍ… قَطَعتُ بحُرجُوجٍ مُسانَدَةِ القَرا
خَنُوفٍ مَرُوحٍ تُعجِلُ الوُرقَ بَعدَما… تُعَرِّسُ تَشكُو آهةً وتذمُّرا
في العصر الإسلامي، أعلن النابغة مع قومه إسلامه أمام الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، حيث أنشد بعض الأبيات التي تعكس ذوقه وحكمته، ومنها:
وَلا خيرَ فِي حِلمٍ إِذَا لَم تَكُن لَهُ… بَوَادِرُ تَحمي صَفوَهُ أَن يُكَدَّرا
فَفِي الحِلمِ خَيرٌ مِن أُمورٍ كَثيرةٍ… وفِي الجَهلِ أَحياناً إِذا ما تَعَذَّرا
النابغة الجعدي وشعر الرّثاء
عبر النابغة الجعدي عن حزنه برثاء ابنه محارب وأخيه وحوح، حيث تعكس أبياته بوضوح مشاعر الفقد:
أَلَم تَعلَمي أَنّي رُزِئتُ مُحارِباً… فَما لَكِ مِنهُ اليَومَ شيءٌ وَلا لِيا
وَمِن قَبلِهِ ما قَد رُزِئتُ بِوَحوَحٍ… وَكانَ اِبنَ أُمّي والخَليلَ المُصافِيا
فَتىً كَمُلَت أَخلاقُه غَيرَ أَنَّهُ… جَوادٌ فَما يُبقي مِنَ المالِ باقِيا
فَتىً تَمَّ فِيهِ ما يَسُرُّ صَديقَهُ… عَلى أَنَّ فِيهِ ما يَسُوءُ الأَعاديا
يَقُولُ لِمَن يَلحاهُ في بَذلِ مالِهِ… أَأُنفِقُ أَيّامِي وَأَترُكُ مالِيا
يُدِرُّ العُروقَ بالسِنانِ وَيَشتَري… مِنَ الحَمدِ ما يَبقَى وَإِن كانَ غالِيا
النابغة الجعدي وشعر الوصف
كما كان لديه إبداع في وصف الخيل، ومن ذلك قوله:
تَلافَيتُهُنَّ بِلا مُقرِفٍ… بَطيءٍ وَلا جَذَعٍ جَأَنَب
بِعاري النَواهِق صَلتِ الجَبينِ… أَجرَدَ كالقَدعِ الأَشعَب
يُقَطَّعُهُنَّ بِتَقرِيبِهِ… وَيَأوي إِلى حُضُرٍ مُلهِب
وَإِرخاءِ سِيدٍ إِلى هَضبَةٍ… يُوائِلُ مِن بَرَدِ مُهذِب
إِذا سِيقَتِ الخَيلُ وَسَطَ النهارِ… يُضرَبنَ ضَرباً وَلَم يُضرَب
غَدا مَرِحاً طَرِباً قَلبُهُ… لَغِبنَ وأَصبَحَ لَم يَلغَب