حُكم إطلاق اللِّحية
تعددت الآراء الفقهية حول حُكم إطلاق اللِّحية، وقد وضع العلماء عدة أقوال في هذا الشأن، نعرضها في ما يلي:
القول الأول
ذهب كل من الإمام الكاساني، وابن الهمام، والحصكفي من الحنفية، والقرطبي والنفراوي من المالكية، وبعض الشافعية مثل: ابن رفعة والأذرعي وابن تيمية من الحنابلة، إلى أن إطلاق اللِّحية يُعتبر واجباً على المسلم. واستندوا في ذلك إلى العديد من الأدلة، من بينها قول رسول الله -عليه الصلاة والسلام-: (أَحْفُوا الشَّوارِبَ وأَعْفُوا اللِّحَى).
القول الثاني
بينما اعتبر كل من الإمام الشافعي، وأصحابه، والإمام الحافظ علاء الدين مغلطاي، وبدر الدين الحنفي من الحنفية، والإمام مالك -رحمه الله-، والباجي واليعصبي وابن العربي وابن رشد وابن جزّي والزرقاني وآخرون من المالكية، والإمام أحمد بن حنبل، وابن مفلح والبغدادي وغيرهم، أن الأمر بإطلاق اللحية لا يدل على الوجوب، وإنما يُشير إلى الإرشاد أو الاستحباب. كما أنهم أشاروا إلى أن هذا الأمر مرتبط بخِصال الفطرة المستحبّة.
حُكم حلق اللحية
حلق اللحية يعني إزالة الشعر بالكامل أو أخذ جزء منه باستخدام أداة معينة. وبناءً على ذلك، تمحورت آراء الفقهاء حول حكم حلق اللحية، وفيما يلي توضيحها:
الشافعية
رأوا أن حلق اللحية مكروه، حيث أوضح الإمام النووي أن العلماء ذكروا عشر خصال تكره في اللحية، والتي تختلف في شدتها، بما في ذلك حلقها بالنسبة للرجل. بينما يُستحب للمرأة حلق الشعر إذا نبت لديها.
وتجدر الإشارة إلى التعارض بين النصوص المتعلقة بإطلاق اللحية وعدم المس بها، والنصوص التي تشير إلى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يأخذ من لحيته طولاً وعرضاً، مما يدل على أن الإعفاء ليس للوجوب بقدر ما هو للندب، وبالتالي يُعتبر حلق اللحية مكروهاً.
الحنفية
أكدوا كراهة حلق اللحية، مشددين على أن السنة في اللحية هي أن تكون بمقدار قبضة اليد، ولا يجوز أخذ شيء منها ليصبح أقل من ذلك، ولا يجوز حلقها بالكامل.
المالكية
قال الإمام مالك بتحريم حلق اللحية للرجل، لكنها جائزة إذا كانت طويلة بشكل غير معتاد، لما قد تحمله من قبح للمظهر، فيُندب أخذ الزائد منها لتحسين الهيئة.
الحنابلة
أفادوا بأن إعفاء اللحية وعدم أخذ منها ما لم يزد طوله بشكل كبير هو الأصل، مع تحريم حلقها، مع السماح بأخذ الزائد عن قبضة اليد.
ومن المهم الإشارة إلى أن هذه الأقوال تتعلق بالظروف الطبيعية. وإذا كان إطلاق اللحية أو إعفاؤها يتسبب في مشاكل أسرية أو وظيفية، يجب استشارة العلماء، حيث إن كل حالة تُقدّر حسب الظروف الخاصة بها.
حُكم تخفيف اللحية
تعد مسألة تخفيف اللحية من المسائل التي نوقشت من قبل العلماء، وتلخصت آراؤهم في رأيين، وهما:
جواز التخفيف من اللحية
أشار الحنابلة والحنفية إلى جواز تخفيف اللحية إذا زاد طولها عن قبضة اليد، مستشهدين بفعل عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- في أخذ من لحيته وشاربه عند التحلل من الإحرام. وفسر الإمام ابن حجر أن فعل ابن عمر -رضي الله عنهما- ليس خاصاً بنسك الحج أو العمرة، بل يمكن أخذه في حال الإفراط في الطول أو العرض. وفي الحنفية، يُفهم إعفاء اللحية أو إطلاقها بعدم أخذ غالبها أو كلها.
ورأى المالكية جواز تخفيف اللحية إذا كان طولها غير معتاد ويشكل سخرية من صاحبها.
عدم جواز التخفيف من اللحية
صرح الإمام النووي من الشافعية بعدم جواز أخذ شيء من اللحية سواء في الطول أو العرض، مستنداً إلى الأمر الظاهر بإعفائها وإطلاقها؛ إذ قال: “المختار تركها على حالها، وأن لا يُتعرض لها بتقصير أو غيره”. كما أكد الحنابلة عدم جواز أخذ شيء من اللحية في حال عدم استقباح طولها.
مسائل خاصة باللحية
غسل اللحية في الوضوء
تناول العلماء حُكم تخليل اللحية في الوضوء، وهو إدخال الأصابع بين شعرها، وقد اختلفت آرائهم كما يلي:
- الشافعية: يُوجبون غسل اللحية الخفيفة، ويُستحب تخليل اللحية الكثيفة.
- الحنفية: يعدون غسل ظاهر اللحية الكثيفة فرضاً، ويجب إيصال الماء لبشرتها في اللحية الخفيفة، بعدما أوصى جبريل -عليه السلام- النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بتخليل لحيته.
- المالكية: لا يرون وجوب تخليل شعر اللحية، سواء كانت كثيفة أم خفيفة.
- الحنابلة: يُفضلون تخليل اللحية من أسفلها أو جانبها عند الوضوء إذا كانت كثيفة، أما إذا كانت خفيفة تُظهر البشرة، فيجب غسلها فقط.
تزيين اللحية وصبغها
حُكم تهذيب اللحية
يجوز تهذيب اللحية بإزالة الشعر المتناثر، ويُسمح بأخذ ما شذّ من الشعر أمام الأذنين، إذ إن المسلم يجب أن يعتني بمظهره بما يتناسب معه، مما يُحسن من هيئته أمام زوجته.
حُكم صبغ اللحية
يجوز للرجل صبغ شعره بأية لون ما عدا الأسود، استناداً إلى ما ورد في صحيح الإمام مسلم عن جابر بن عبدالله -رضي الله عنه-، حيث نهى النبي -عليه الصلاة والسلام- عن اللون الأسود، قائلاً: (غَيِّرُوا هذا بشيءٍ، وَاجْتَنِبُوا السَّوَادَ). وقد ورد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصبغ بالأصفر، كما أن أبا بكر وعمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- اختضبا بالحناء.
السُنن والمكروهات المتعلقة باللحية
توجد العديد من السُنن والمكروهات المتعلقة باللحية، وتلخص كما يلي:
- يُسن إكرام اللحية وترتيبها؛ طبقاً لقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: (مَن كان له شَعْرٌ فَلْيُكْرِمْه).
- يُسن تطييب اللحية وتعطيرها بأجود الطيب؛ كما ورد في الصحيح عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: (كُنتُ أُطَيِّبُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَمَ بأَطْيَبِ ما يَجِدُ، حتّى أجِدَ وَبِيصَ الطِّيبِ في رَأْسِهِ ولِحْيَتِهِ).
- يُكرَه تبييض اللحية؛ استعجالاً للشيخوخة أو رغبةً في نَيل مكانة ما.
- يُكرَه نَتْف الشيب.
- يُكرَه عدم تهذيب اللحية؛ إظهاراً للزهد.
اللحية وأهمية إطلاقها
إعفاء اللحية يُعتبر من شعائر دين الإسلام، وهي تُعد من أعظم الشعائر، حيث إن الالتزام بها يعتبر من تقوى الله وخشيته. وقد حافظ الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- جميعهم على هذه الفطرة. وقد ثبت في صحيح الإمام مسلم عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ذكر: (عَشْرٌ مِنَ الفِطْرَةِ: قَصُّ الشَّارِبِ، وإعْفاءُ اللِّحْيَةِ…)، وقد فسر عدد من العلماء سُنن الفطرة بأنها السُنن القديمة التي حافظ عليها الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-، والتي وُجد الطفل عليها.
حُكم حلق الشارب وحفّه
يشير الحف إلى الإزالة، حيث يُقال: حَفّ اللحية؛ أي أزالها وأخذ منها. أما الشارب، فهو الشعر النابت على الشفة العليا، وقد قيل إنه الإطار الذي يُستخدم للشرب. ولقد تم تفصيل حكم حلق الشارب وحفّه من قبل العلماء كذلك:
- الشافعية: رأوا كراهة حَفّ الشارب، واعتبروا أن ما ورد في السنة النبوية يشير إلى حفّ طرف الشفة، ويُستحب قصه.
- الحنفية: اعتبروا أن السنة في حلق الشارب يُفضل على قصّه بالأخذ من الطرف الأعلى للشفة العليا.
- المالكية: استندوا إلى قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أَحْفُوا الشَّوارِبَ وأَعْفُوا اللِّحَى)، مشيرين إلى أمر بقص الشارب. لكنهم نَهوا عن حلقه.
- الحنابلة: رأوا أن الأفضل هو قص الشارب وإعفاء اللحية، اقتداءً بالنبي -صلى الله عليه وسلم-.