ما هي الصدفة؟
الصدفة تمثل حدثًا عشوائيًا يمكن أن يحمل في أحيان كثيرة طابعًا إيجابيًا، كما في حال لقاء شخص من الماضي في مكان غير متوقع، أو اكتشاف حل لمشكلة أثناء التفكير في موضوع آخر. في بعض الأحيان، قد تكون الصدفة مزعجة، مثل الالتقاء بشخص غير مرغوب فيه في مكان اعتقدت أنك لن تصادفه فيه. كما يمكن أن تكون الصدفة محايدة، كأن يلتقي شخصان يحملان نفس الاسم أو يتشاركان نفس تاريخ الميلاد، وهو أمر شائع وعادي يفسره التحليل الإحصائي.
إن الصدف تنشأ من تفاعل عدد كبير من الأفراد في بيئات زمنية ومكانية محدودة، حيث يمتلك كل شخص مصيره الذي يسير فيه. قد يكون قدرك أن تذهب إلى السوق اليوم، وتتزامن هذه الزيارة مع زيارة شخص لم تلتقه منذ سنوات، مما يؤدي للقاء غير متوقع عند المدخل. هذا كله يعد جزءًا من الأقدار التي كتبها الله، حيث نعرف جزءًا بسيطًا منها، في حين أن الجزء الأكبر يظل مجهولاً أمامنا.
ما هو القدر؟
القدر مفهوم أوسع وأعمق من الصدفة، وفهمه بشكل كامل أو الوصول إلى تفاصيله يعود إلى الله -عز وجل- وحده. كتابة الأقدار والحفاظ على هذا التناغم الفريد في الكون يعد أمرًا معجزًا لا يدركه البشر، ولا يمكن إلا لله عز وجل ضبطه. المؤمن الصادق يدرك أن الله قد خطط لحياته بشكل دقيق ونسَّقها مع حياة الآخرين، كما نسَّق حياة الناس ضمن ظروف دنيوية متعددة. لقد حدد الله تعالى لكل فرد رزقه وعمره وسعادته وشقائه، وكل ما يتعلق بنصيبه في الحياة الدنيا، بما في ذلك كل صدفة ستمر بها هي مقدرة ومكتوبة في قدره منذ بداية خلق الله.
التخيير والتسيير
يتداخل مفهوم القدر مع مسألة حرية الإرادة، فقد يخلط البعض بين كونه مخيرًا أو مسيرًا في هذه الحياة. قد نصل إلى إجابة مفادها أن الإنسان مسير في جوانب معينة، كأن يولد في بيئة معينة ويتربى في ظروف اجتماعية أو اقتصادية محددة، ولكنه مخير أيضًا في جوانب عديدة أخرى مثل الإيمان أو الكفر، وقرارات تغيير واقع حياته، واختيار مجالات الدراسة والعمل، المرتبطين بالعائلة، بالإضافة إلى اتخاذ قرار السفر أو البقاء في الوطن. وهذه القرارات تتعدد، وقد يقدرها الله له أو يمنعها عنه، وكل ذلك يعتبر خيرًا. فالمؤمن العاقل الذي يثق في قدرة الله ورحمته يعلم أن الله على دراية بالغيب، ويختار لكل إنسان قدرًا يتلاءم مع مستقبله الذي قد لا يكون واضحًا له، حتى وإن بدا في الوهلة الأولى على أنه اختبار.
الفرق بين الصدفة والقدر باختصار
تحدد الأقدار لكل إنسان، إذ يعيش كل فرد ما هو مقدر له من الله -سبحانه وتعالى-، بينما يمكن أن تحدث الصدف في نفس السياق. يؤمن المسلم بالقدر كجزء أساسي من إيمانه بالله عز وجل، ولا يعتبر الصدف لها تأثير حقيقي على مجريات حياته، بل هي جزء من القدر نفسه، ولا تؤثر على ثقته بقضاء الله وقدره المكتوب، مما يحافظ على إيمانه ثابتًا ونقيًا.