المنهج السيميائي
يُعتبر المنهج السيميائي من أبرز المناهج النقدية في العصر الحديث، حيث شهد عناية كبيرة وملموسة في الدراسات المعاصرة في كل من الغرب والعالم العربي. وسوف نستعرض في هذا المقال دراسة منهجية لمفهوم السيمياء وتأثيره في النقد الأدبي العربي والغربي وفقًا لما يلي:
السيمياء في النقد العربي المعاصر
لقد تجلّى التطور الواضح في العالم العربي في مجال النقد الأدبي حديثًا من خلال تعزيز الوعي القارئ الحديث بالنص الأدبي نفسه، بعيدًا عن تأثير المحيطات الاجتماعية والثقافية. وبفضل ذلك، تراجع استخدام المناهج التقليدية مثل التاريخية والاجتماعية والنفسية، وبرزت بدلاً منها المناهج المستمدة من اللسانيات الحديثة، التي تُركز على دراسة النص بوصفه كيانا قائما بذاته، حيث تُعتبر اللغة المصدر الرئيسي لقوة النقد.
ظهرت توقيعات نقدية حديثة مثل الأسلوبية، البنيوية، التفكيكية، والسيميائية، وهذا الأخير هو ما سنستعرضه في هذه المقالة. لقد كان للمنهج السيميائي أثر كبير في الدرس النقدي العربي الحديث، حيث بدأ النقاد العرب في نقل هذا المنهج ونشره نظريًا، بالإضافة إلى ترجمة الأعمال النقدية التطبيقية من المنظرين الغربيين؛ من أجل التقاط المفاتيح الإجرائية وربطها بالأدب العربي.
ساهم انخراط العديد من العلماء العرب في الجامعات الغربية في تسريع هذا التحول؛ فقد درس العديد من هؤلاء السيمياء على يد مختصين غربيين ثم نقلوها إلى العالم العربي. وقد ظهر المنهج السيميائي بوضوح في المغرب العربي، حيث القرب الجغرافي من فرنسا، بالإضافة إلى إتقان اللغة الفرنسية.
النقاش حول علم العلامات وأهميته في النقد المعاصر ممتد وشامل، ولعل العديد من العلماء العرب الذين تأثروا بالسيميائيات منذ منتصف السبعينات قد ساهموا في هذا المجال بشكل واضح، ومن أبرزهم:
- محمد مفتاح.
- مبارك حنون.
- محمد السرغيني.
- صلاح فضل.
- جميل حمداوي.
- فريال جبوري غزول.
- عبد الحميد بورايو.
- سعيد بنكراد.
- عبد الملك مرتاض.
- السعيد بوطاجين.
- يوسف وغليسي.
- رشيد بن مالك.
هذا بجانب عدد كبير من العلماء العرب الذين كتبوا ودرسوا السيمياء، وفيما يتعلق بالترجمة، فإن هناك جهودًا ملحوظة من قِبل مترجمين بارزين مثل:
- محمد البكري.
- سعيد بن كراد.
- عبد الرحمن بوعلي.
ووفقًا لذلك، تم إنشاء مجلات متخصصة في النقد السيميائي مثل “الدراسات السيميائية الأدبية المغربية” وتطوير قواميس تخصصية، كما فعل رشيد بن مالك، بالإضافة إلى تنظيم الندوات والملتقيات وتأسيس جمعيات مثل “رابطة السيميائيين الجزائريين”.
السيمياء واللسانيات
يرتبط اختيار مصطلح السيميائية بمدى تأثر مؤسس علم اللسانيات الحديثة فرديناند دي سوسير بالإغريقية، حيث أن كلمة “السيمياء” هي ذات أصل إغريقي تعني علم العلامات. لذا فإن فهم العلاقة بين اللسانيات والسيمياء يعد أمرًا ذا أهمية كبيرة. وقد تُرجم هذا الارتباط عبر سرد تاريخي يعود إلى كتابات دي سوسير التي أكدت على أهمية العناصر اللغوية والأنساق التي تشكل قواعد اللغة.
كما ساهمت اللسانيات الحديثة بشكل كبير في السيميائيات من خلال تعزيز مفهوم ثنائية الدال والمدلول، التي وضعت أسسها دي سوسير. وقد عمل المنهج السيميائي بالاستناد إلى هذه الأبعاد عبر استخدام العلامات داخل النصوص في صورة أنظمة تتفاعل مع بعضها البعض بوصفها طرفًا أول في هذه الثنائية (الدال) لتحقيق الثنائية الأخرى (المدلول).
الجزء الأكبر من تأثير اللسانيات على السيميائيات يتجلى في تحول الأنظار نحو النص ككل، مما يعزز من كون الإشارات اللغوية مرتبطة بكامل النظام النصي وليس بفردية العلامات، مما يتيح لنا رؤية نظام العلامات كمجموعة متكاملة من العناصر المكونة للنص.
أصبح عددٌ من العلماء يهتمون بالعلاقة بين السيميائيات واللسانيات الحديثة، مما أدى إلى صياغة أفكار حول هذه الثنائية، وفقًا للجدول التالي:
العالم | رأيه |
فرديناند دي سوسير | السيميولوجيا أصل واللسانيات فرع منها |
رولان بارت | اللسانيات أصل والسيميولوجيا فرع منها |
جاك دريدا | النحوية أصل واللسانيات والسيميولوجيا فرع منها |
السيمياء بين المدرسة الأوروبية والمدرسة الأمريكية
إن الترجمة العربية لمصطلح سيميائي/سميوطيقي تشير إلى علم العلامات الذي يتناول دراسة العلاقات الرمزية الموجودة داخل النصوص بشكل منظم. أما التباين في الأسماء الأصلية (سيميائية – سميوطيقية)، فيعود إلى الرجوع إلى المصطلحات الغربية المتعددة: semiology و semiotics، كما يتضح في الجدول التالي:
الاسم الأصلي | semiology | semiotics |
باللغة العربية | سيميائية | سميوطيقية |
واضع المصطلح | فرديناند دي سوسير | تشارلز ساندرز بيرس |
جنسية صاحب المصطلح | سويسري | أمريكي |
يفضل استخدامه | الأوروبيون | الأمريكيون |
يميل العرب إلى استخدام مصطلح “سيميائية” نظرًا لارتباطه الدلالي والثقافي بمفاهيم مثل: (سمة، وسام، التسمية، الوسم، الميسم، السيماء والسيمياء) كما يشير الدكتور معجب الزهراني.
بين السيميائية والبنيوية
تنتمي السيميائية كحقل دراسي إلى مجال البنيوية، مما يجعل من الصعب التمييز بينهما بشكل صارم. حيث درج العديد من الدارسين على التفضيل لأحد المنهجين على الآخر. وقد قدّم جوناثان كولر تمييزًا بينهما يُظهر صعوبة هذا الأمر بناءً على جغرافية المصطلح، حيث كانت الدراسات الفرنسية تركز فقط على البنيوية، في حين خالفه البعض مثل هوكس.
بيد أن هناك تباينًا موجودًا رغم استخدام السيميائية للتقنيات البنيوية في تحليل العلامات، إذ تُركز الدراسات السيميائية على دراسة أنظمة العلامات اللغوية القائمة بالفعل، بينما تتناول البنيوية العلامات سواء كانت جزءًا من نظام تقبله الثقافة أم لا.
يمكننا أيضًا التمييز بين البنيوية والسيميائية عند الإقرار بالفرق بين اللغة (على مستوى النظام) واللغة (على مستوى الأداء)؛ إذ تُعد السيميائية معنية بدراسة اللغة كما هي كيان سائد وليس كأداء لغوي. لذا تبقى السيميائية ممارسة استقرائية تعتمد على الذات المدركة، مما يجعلها تميل إلى فهم الاتصال، وهو ما توقعه هوكس بأن السيميائية تمثل نظرية اتصال ضمن المنهج البنيوي.
أهم أعلام المنهج السيميائي
من أبرز أعلام السيميولوجيا:
- تشارلز ساندرز بيرس.
- رولان بارت.
- ألخيرداس جوليان غريماس.
- رومان ياكبسون.
- أومبيرتو إيكو.
- مايكل ريفاتير.
- جوليا كرستيفا.
- باربرا هيرنستاين سميث.
جميع الأسماء المذكورة تنتمي إلى مدرسة تشارلز ساندرز بيرس، بينما من الصعب حصر علماء مدرسة فرديناند دي سوسير نظرًا لكثرة العدد. بيد أن الفيلسوف الأمريكي تشارلز ساندرز بيرس يُعتبر الأبرز بين هؤلاء، حيث وضع نظامًا معقدًا لدراسة العلامات، ورغم ذلك فإنه يتفق مع دي سوسير في بعض المفاهيم الأساسية حول تكوين الإشارات في الأنظمة الإشارية.
ما يتفق به تشارلز ساندرز بيرس وفرديناند دي سوسير
يبحث كل من تشارلز ساندرز بيرس وفرديناند دي سوسير عن النظام والقوانين التي تحكم العلاقات بين العلامات داخل النظام الدلالي للنص، مما يستدعي البحث في العلاقات بين الدال والمدلول. وعند النظر إلى نظرية بيرس، نجد أن البيئة الدلالية تحتوي على أربعة عناصر رئيسة:
- العلامة بوصفها ممثلاً أو مندوبًا عن شيء آخر.
- المادة المشار إليها أو الموضوع.
- المحلل: وهو الشخص الذي يدرك معنى الإشارة.
- الطريقة المحددة التي تكتمل بها عملية المندوبية الإشارية (التي يسميها بيرس “الأرضية” أو “الأساس”).
توضح هذه العناصر الأربعة التي وضعها تشارلز ساندرز بيرس الطريقة التي تؤدي بها العلامة وتحدد طبيعة العملية السيميولوجية.