تعريف الرفق بالحيوان
في الدين الإسلامي، يُعتبر الحيوان جزءًا أساسيًا ومفيدًا لحياة الإنسان؛ إذ تساهم الحيوانات في تطوير هذه الأرض وضمان استمرار الحياة عليها. تُعبر هذه الرؤية الواقعية عن طريق ذكر الحيوانات في العديد من السياقات الإسلامية، حيث نجد العديد من السور القرآنية تحمل أسماء حيوانات مثل: سورة البقرة، والأنعام، والعنكبوت، والفيل وغيرها.
أظهر الدين الإسلامي حرصه الكبير على الرفق والعناية بالحيوانات، مما يعني ضرورة عدم اعتبارها مجرد وسيلة للخدمة، أو الغذاء، أو الملابس، بل ينبغي إدراك الجوانب الروحية لتلك الكائنات والاعتناء بها. يتوجب على الإنسان التعامل مع الحيوانات برفق، ومنع الأذى عنها، سواء كان ذلك بحرمانها من الطعام والشراب، أو تحميلها أعباء ثقيلة، أو عدم مراعاة حالتها الصحية عند مرضها.
أبعاد الرفق بالحيوان في الإسلام
خصص الدين الإسلامي اهتمامًا كبيرًا للحيوانات، من خلال توجيهات عدة تُعلم الإنسان كيفية التعامل معها بلطف، وفيما يلي بعض صور الرفق بالحيوانات:
قواعد ذبح الحيوانات
حدد الإسلام مجموعة من القواعد المتعلقة بذبح الحيوانات التي يجب على المسلم اتباعها؛ مثل ضرورة شحذ السكين جيدًا قبل الذبح منعًا لمعاناة الحيوان، وضرورة سقيه الماء قبل الذبح، إذ يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ الله كتبَ الإحسانَ على كلِّ شيءٍ، فإذا قَتلتم فأحسنوا القَتلةَ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذِّبحةَ… إلخ). كما نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أن يري الحيوان الذابح أثناء شحذ السكين، إذ قال: (أفلا قَبلَ هذا؟ أو تريدُ أن تُمِيتَها مَوتاتٍ؟).
تحظر التفريق بين الحيوان وصغيره
أمر الدين الإسلامي بعدم التفريق بين الحيوان وصغاره، وهو ما يظهر من موقف النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما سافر مع أصحابه، حيث رواية عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- تقول: “كنا مع رسول الله في سفر، فرأينا حمرة تحمل فرخين، فأخذناهما، وعادت الحمرة تحوم بجناحيها”، وعندما رأى النبي ذلك قال: (مَن فجعَ هذِهِ بولدِها؟ ردوا ولدَها إليها).
تحظر استخدام الحيوان كهدف للصيد
يعتبر استخدام الحيوانات كأهداف للصيد أمرًا محرمًا نهى عنه النبي -صلى الله عليه وسلم-، حيث قال: (لا تَتَّخِذُوا شيئًا فيه الرُّوحُ غَرَضًا)، أي لا يجوز استخدام الحيوان كأداة مثل الجلود أو الأخشاب للتدريب على رمي الأسهم، إذ يتسبب ذلك في تعذيب الحيوانات وإزهاق أرواحها بلا جدوى. وقد أوصى الله -سبحانه وتعالى- بذبح الحيوانات برفق والابتعاد عن العنف.
تحظر تمثيل الحيوان
تعتبر المثلة بالحيوان، أي قطع أحد أطرافه وهو حي، من أشكال التعذيب الممنوعة، وقد لُعن الفاعل لذلك. عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه مر على مجموعة من الشباب كانوا يستهدفون دجاجة، فقال: (لعَنَ النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- مَن مَثَّل بالحيوانِ).
أجر الرفق بالحيوان
للرفق بالحيوان أجر عظيم عند الله -سبحانه وتعالى-. وفيما يلي توضيح لذلك:
سبب لمغفرة الذنوب
يُعد الرفق بالحيوانات من الأعمال التي تجعل المسلم يحصل على مغفرة لذنوبه، كما ورد في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (بينما رجلٌ يمشي في طريقٍ شديد العطش، فوجد بئرًا، فنزل فيها، فشرب، ثم خرج، فإذا كلبٌ يلهَثُ من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلبُ من العَطشِ ما بلغني، فنزل البئر مرة أخرى، وملأ خُفَّه وسقَى الكلب، فشكر الله له وأغفر له). يتبين من هذا الحديث أن الإحسان إلى الحيوانات يُعد سببًا لمغفرة الله لذنوب العبد.
المكافأة والثواب
قد أمر الله -جلَّ وعلا- بالإحسان إلى الحيوانات ورتب على ذلك عظيم الأجر والثواب. ويدل ذلك على أن الصحابة سألوا النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الإحسان للحيوانات ورعايتها، فأجابهم: (في كلِّ كَبِدٍ رطبةٍ أجرٌ). يتضح من الحديث أن الإحسان إلى كل شيء يمتلك روحًا يستحق الثواب من الله تعالى، فكل إنسان يقدم الرعاية للحيوانات ويحميها من الظروف القاسية سيحصل على المكافأة في الدنيا والآخرة.
سبب للحصول على رحمة الله
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (الرَّاحمونَ يرحمُهُمُ اللَّهُ، ارحَموا أَهْلَ الأرضِ يرحمُكُم مَن في السَّماءِ). يستنتج من ذلك أن الذين يعاملون برحمة جميع الكائنات -سواء كانوا بشراً أو حيوانات- هم الأكثر استحقاقًا لرحمة الله -سبحانه وتعالى-، وهو الذي وسعت رحمته كل شيء، فهو الذي يغفر لهم ويدخلهم الجنة، فرحمته -جلَّ وعلا- ليست كرحمة المخلوقين لأنها تعود للخالق المتفرد في صفاته.
تناولنا في هذا المقال موضوع الرفق بالحيوان، من حيث التعريف والمظاهر المختلفة، كما تحدثنا عن الجزاء العظيم والثواب المرتبط بالإحسان إليها. فهي مخلوقات أوصانا الله -سبحانه وتعالى- ورسوله الكريم -صلى الله عليه وسلم- بمعاملتها بالرفق، ومن المهم على المسلم أن يسعى لتحقيق الرحمة في تعامله مع الحيوانات ليظفر بأجر الله -عزَّ وجلَّ-، فالراحمون لعباده يستحقون الرحمة والمغفرة من خالقهم.